الحمدانية فرحة أطفأتها النيران

الحمدانية فرحة أطفأتها النيران
فراس الغضبان الحمداني
يحق لمثلي أن يبكي فاجعة الحمدانية بطريقة تليق بالمحزونين والمكلومين بفقد الأحبة . فقد ولدت وكبرت وفقدت أبي ثم أمي ثم أستشهد أخي الضابط في الحرب ثم زوجتي ثم إبني ثم صديقي ثم صديق آخر ثم صديق ثم آخر حتى أكاد أكون فقدت كل شيء وقد أكون مخطئاً لو قلت إنهم رحلوا جميعا دفعة واحدة واحداً تلو الآخر وفي أوقات متباعدة ، ولكن المحزن أن الرحيل يشبه الطعنات فرحيل الأب طعنة في الضمير ورحيل الأم رحيل الروح ورحيل الزوجة رحيل الشريك المواسي ورحيل الإبن طعنة في القلب تمزقه فتسيل الدماء والدموع معاً ، ويبقى الحزن السرمدي يشاركني طعامي وشرابي ونومي وسهري الموحش وصحوي مكفهر الوجه عند الصباح الذي يشبه الصباحات المتتالية التي لا جديد فيها ولا ما هو مثير خاصة حين تصحو وأنت تعلم أن أصدقائك ونظرائك وأبناء جيلك رحلوا وتركوك ولم تعد تشم رائحتهم ولا تسمع أصواتهم ولا ترى وجوههم التي تحب وتتمنى أن لا يفارقونك ولا يذهبون عنك إلى مكان آخر وأن يظلوا يبتسمون ويضحكون ويقهقهون وأنت تتسلى وتستمتع بذلك الوجود ، غير أن المرعب إنك تجد نفسك وحيداً وتسير في طريقك وحيداً ولا مستقبل مضمون لديك سوى أن تنتظر الرحيل الأخير لتتخلص من أوجاعك الدائمة .
قضاء الحمدانية أحد اقضية محافظة نينوى شمال العراق يقع جنوب شرق مدينة الموصل وتسكنه غالبية سريانية بالإضافة إلى قرى عديدة يسكنها الشبك واليزيديين ، تعتبر مدينة بغديدا مركز هذا القضاء ، المساحة : 1,155 كم² واللغة الرسمية : العربية ، الكردية ، السريانية ، شهد حادثة مروعة تشبه في جبروتها ومنظرها ما كنا نراه في أفلام الخيال حيث يعبر الناس عن فرحهم في قاعة كبيرة ظهر لاحقاً إنها قاعة متهالكة وسيئة التصميم وتفتقد لشروط السلامة ويمكن أن تتحول إلى جحيم أو حطام أو مكان للموت الجماعي وهذا ما حدث . كان العريس يراقص زوجته الشابة بحضور أهل العروسين والأقارب والأصدقاء وقد جاء البعض من أمريكا وأوربا لمشاركة الأهل والأصدقاء فرحتهم فمسيحيو الموصل توزعوا بين بلدان مختلفة من العالم حين داهمتهم الحروب والحصارات والجماعات الإرهابية والتشدد المتناهي من مجموعات فكرية متطرفة ، إذا ما سمحت للمسيحي بالمغادرة فهي تسلبه كل ما يملك من مال وبيت ومحلات عمل ومصوغات ذهبية وكل مايحمل فلا يخرج إلا وهو مفلس لا يملك من حطام الدنيا شيئا سوى ذكريات حزينة عن مرابع الصبا والشباب والحب المذبوح .
كان الجميع يغني ويرقص مبتهجاً بمشاعر من الأمل وخليط من الكبرياء ورفض الإستسلام للحزن وعذابات السنين الماضية ، حيث الموصل تنفض غبار الحرب والموت وتشرع في نهضة جديدة من أجل حياة مختلفة لأجيال قادمة تحمل هموم الماضي والرغبة في حياة جديدة مختلفة ، وفجأة” إشتعلت النيران في السقف وبدأت حمم النار تتساقط على الرؤوس وحصل إرباك كبير وتدافع الناس وإنقطع التيار الكهربائي وخفت الضوء وعمت العتمة ولم يعد من مجال لرؤية شيء ولم يعد الناس يعرفون باباً ليغادروا منه ولا يهتدون لمكان ينجيهم من الحريق المروع فتفحمت الأجساد وإحترق الوجود وعم الحزن في كل الحمدانية وكل الموصل وكل العراق وكل العالم الذي صدم بعدد الضحايا والجرحى الذين ضجت بهم المستشفيات والمقابر وكل عائلة تحصي قتلاها وجرحاها والمفقودين من أبنائها الذين فقدوا في الفوضى والجميع يبكي ويعبر عن الحزن والغضب مستشعرين الإهمال والفساد في بناء القاعات التي تكتظ عادة بالمحتفلين الذين يشعرون أن هذه القاعات أمينة لأنها مكان للفرح الذي لا ينطفىء بالنيران لكن ما حصل كان فجيعة لم تصدم بها الحمدانية في تاريخها وقد وزعت الموت في كل البيوت والدروب والحقول البعيدة والشوارع والأشجار فلا عزاء سوى البكاء والتفجع والعيش على ذكريات دامية . Fialhmdany19572021@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى