العمل وحق الأجير

العمل وحق الأجير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العمل شيء اساس في حياة الناس ، بخاصة الرجال ، فلولا العمل ما استطاعوا من بناء وتكوين الأسرة لتكون فاعلة بالمجتمع وبالتالي تكون نفعا للعباد والبلاد .
وفي قول نبينا الأكرم محمد ( ص ) .. ( أعط ِ الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) ، تأكيدا واضحا في إعطاء الأجير حقه من جراء عمله ، إذن وجب اعطاء العامل الذي ينجز عملا محددا أجرته على الفور وعدم تأجيلها ، وكثيرا ما سمعنا وفي بعض الحالات كان هناك تسويف في هذا الأمر .
لقد مرت علي في حياتي حالات عديدة من مماطلة وتسويف في اعطاء العمال حقوقهم من قبل اصدقاء وزملاء مهنة ، ولكن لم يجنوا جراء اعمالهم هذه إلا الخيبة والخسران .
في مطلع حياتي العسكرية في البحرية العراقية ( عام 1983 ) وبعد تقديمي المستمسكات الأصولية وأهمها عقد الزواج إلى قسم الإسكان في البحرية ، تمت الاستجابة بتخصيص دارا سكنية لي ، وكان عبارة عن كرفان وحديقة ، وتم تسويرها بسياج مبني بالطابوق والإسمنت ، كانت مساحة الحديقة بواجهة عشرة أمتار وعمق ستة أمتار ، اما الكرفان فكان منجزا بشكل فني جميل ورائع ، فهو مكون من صالة استقبال واستراحة الدار ، وثلاث غرف للنوم مع حمامين ومطبخ ، وقد تم فرش الارضية بالكاربت وجهزت كل غرفة بجهاز تكييف الا أن هناك مشكلة برزت في الحديقة ، إذ تم دفنها بكتل كبيرة من نتاج كري الأنهر ، إذ أن من الناحية الزراعية فان هذا التراب يكون ملائما وصالحا للزراعة بشكل أفضل مايكون ، إلا ان المشكلة كانت في تلك الكتل التي من الصعب زراعة الحديقة ، فاستشرت خلالها فلاح وحدتي العسكرية طالبا منه العمل بجدية على تعديل تلك الكتل وتحويلها إلى تراب من أجل الزراعة ، فراح مرحبا برغبتي وطلبي منه وطالب بالكشف الموقعي والمبدئي عليها بعد الدوام الرسمي ليتخذ بحقها مايستوجب عمله ، وهذا ماتم بالفعل ، إذ بعد الكشف الموقعي أرجأ العمل فيها إلى يوم الجمعة وهو يوم عطلته ، وفي صباح الجمعة كان معي في الحديقة وجها لوجه مستصحبا معه عدة العمل ، واهمها مطرقة خشبية كبيرة لتفتيت تلك الكتل الطينية مع مسحاة حوفأس ، فعمل على حمل تلك الكتل ليضعها جانبا ومن ثم إعادتها واحدة تلوه الأخرى إلى مكانها والعمل على طرقها بالمطرقة الخشبية لتفتيتها وما ان جاءت الظهيرة الا وقد انجز عمله بالتمام ، وكنت قد هيأة له كيلو من بذور الجت ، من أجل زراعة الحديقة به ، فكان المنظر جميلا ً وانا ارى الأرض المحروثة ، ومن ثم قام ببذر بذور الجت ورشها بالماء ، وقد اعطاني التوصيات الخاصة بمدارات العمل وأنه على أهبة الإستعداد لأي استشارة أو عمل ما يستوجب عمله عند الضرورة ، فشكرته كثيرا ، ولكن لم أنس مايستوجب من مستحقات مالية ، وأقصد أجور عمله ، فأعطيته خمسة عشر دينارا ، وكان هذا المبلغ جيد جدا إذا ماعلمنا أن أجور عامل البناء آنذاك كانت خمسة دنانير ، فكان هذا المبلغ أكثر من مناسب مع ما أنجز من عمل ، إلا أنه رفض تسلمه رفضا قاطعا مبينا أن عمله هذا كهدية منه لمناسبة نزولي في تلك الدار ، ولكني رفضت ذلك جملة وتفصيلا ، قائلا أن هديتك قد وصلت بقبولك العمل وتحملك المجيء متجاوزا حدود عطلتك الأسبوعية ، ولكن لا أرتضي رفضك اجور العمل ، وبعد الأخذ والرد ، أجبرته أخويا بأن يأخذ أجوره وإلا سوف يكون هناك الخصام فيما بيننا ، فنزل لرغبتي ، وبعد مدة ليست بالطويلة ، نبت الجت بشكل لايصدق ، فخلال شهر واحد أصبح مستوى ارتفاعه مايقرب من الثلاثين سنتيمترا ، مما جعلني اعرضه على الفلاحين القريبين من سكني والذين كانت لديهم ابقار ، فشكروني على ما وهبته لهم ، واصبحوا في تماس دائم معي وهم يجنون ذلك الجت وهم في قمة السعادة وهذا ماوفر لهم بعضا من اثمان الأعلاف .
ومرت الأيام ولكن زميلي في الوحدة العسكرية الذي يكاسرني في السكن ولا يفصل بيننا سوى السياج ، اعجبته الفكرة وطلب من ذلك الفلاح ان يعمل وفق ماعمله لي ، فكان له ماكان وتمت زراعة الحديقة بالجت أيضا وفقا لما تم عمله في حديقتي ، ولكن فوجئت في اليوم التالي عندما سالته عن مقدار مبلغ العمل الذي أعطاه إياه ، فكان جوابه ، لاشيء ، معللا ذلك بأن البيت من البيوت العسكرية ، وان ذلك الفلاح يعمل ضمن المواقع العسكرية ، فليس هناك من داع من اعطائه أجورا نظير عمله ، فأجبته ، أن عمله مقتصر بالمعسكر وليس خارجه ، وعليك أن لاتنس أن عمله لك كان في يوم عطلته الأسبوعية وهو غير مجبر على ذلك ، إلا أن كلامي هذا ذهب مع الريح ولم ينصاع إلى قول الحق .
وبعد طول انتظار ، اسبوع واسبوعين وشهر وشهرين ويشهد الله على ما أقول أنه لم يجن من حديقته سوى بضعة أعواد من الجت ، وبضعة نبتات من نبات العاقول ( العاگول ) هنا تذكرت ما تذكرت من قول الرسول ( ص ) ( أعط ِ الأجير أجره قبل أن بجف عرقه ) ، اليس هذا القول كان بمثابة ناقوس يطرق ابواب الحق ، وكان الضحية ذلك الفلاح المثابر والمجتهد والذي يعمل بعرق جبينه الذي كان علامة مميزة لتفسير ماحدث ؟ .

س . ع . ط