أنا وحيد يا عيد .. مصطفى تحت التراب
أنا وحيد يا عيد .. مصطفى تحت التراب
فراس الغضبان الحمداني
يأتي عيد آخر ومصطفى ولدي غير موجود ، كل الأماكن التي كان يقف عندها مع أصدقائه تحولت أماكن للذكرى ، والشوارع والمحلات والأزقة تفتقد ضحكاته ، وصوته الجميل وهدوئه وصخبه وتنقلاته السريعة والطعام الذي يحبه وجهاز الموبايل كلها علامات تدلني إلى حيث الحزن ، فأنا منذ رحل مسكون بالحزن والكوابيس وعقلي وروحي يمسكان بيدي ويتجولان في المقابر العتيقة والجديدة معاً يبحثان عن شواهد وآيات وسور وأصوات تعلو بترتيل القرآن على الرمال الحارة الساكنة ، في ليلة صيف ليلة عيد يخجل من نفسه حين يطلب من الناس أن يعيشوا أيامه بفرح وهو يطوي الوقت ليأتي منتشياً بالأضحيات والجكليت والعصير والفاكهة والكليجة والشاي متجاهلاً المأساة التي تسكن قلوب الحزاني أمثالي أنا فراس الحمداني الذي وقع عقداً طويل الأمد مع الدموع والآهات والكوابيس والذكريات والوحدة القاتلة والتسلية المزيفة ، حيث لا يرافقني غير وجع مكبوت يحفر في ثنايا الروح أقنية يجري فيها دم قان مشبع بلون الضجر والكآبة المرة في زمن نفتقد فيه لكل حبيب غادر دون أن يودع ودون وصية ودون إذن ودون كلمة واحدة على الأقل .
حل العيد ومصطفى غير موجود .
كلمات لخصها أبو الطيب المتنبي المولود سنة 301 هجرية في حي كندة في الكوفة قرب جغرافيا ستحتضن لاحقاً ملايين الراحلين ويصف ذلك في رائعته بمدح سيف الدولة الحمداني حين يقول :
وأحرا قلباه ممن قلبه شبم
ومن بحالي وجسمي عنده سقم
مالي أكتم حباً قد برا جسدي
وتدعي حب سيف الدولة الأمم
إن كان يجمعنا حب لغرته
فليت إنا بقدر الحب نقتسم .
ثم يصف حالي بعد رحيل مصطفى ويقول :
يامن يعز علينا أن نفارقهم
وجداننا كل شيء بعدكم عدم .
بل وكما يغنيها رياض أحمد
عدم كل شي بعدكم عالوطية .
وفي موضع من قصائده يقول المتنبي في وصف العيد ومصطفى غير موجود :
عيد بأي حال عدت ياعيد
أبما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيدا دونها بيد .
وكأنه لا يريد للعيد أن يأتي ويتمنى لو أن مسافات شاسعة من الأرض تفصله عن العيد ومسافات أخرى بعد تلك المسافات تفصله عن عيد لا يريد مجيئه والأحبة بعيدون تفصلهم المسافات عن أحبتهم !! ولكن كيف والأحبة في القبور يرقدون بلا حركة ولا يردون سلاماً ولا يسمعون كلاماً ولا يعيشون لوعة الألم بغيابهم وفقدهم وغيابهم عن الدنيا التي كانوا يشاركون أهلهم فيها الحزن والفرح والحديث والمشاعر .
ياعيد شتريد
صوفي وأخذته هناك
وصار عني بعيد
أدور بالحياطين بلكت صورة تتراوالي منه
بلكن أشوفه يعود
بلكن يضحك بوجهي يفززني
يونسني بذيج المواعيد
وأظل أصرخ وأعيد
ياغالي يل عني بعيد
يا إبني الوحيد
بعدك عشت غربة وحزن
ولا جنك شوفتي تريد
بلكن تشك كبرك يعمري
وتطلع مثل فرحة وتغاريد
توانسني وتسولفلي وتناغيني
تعايدني وتباوسني
ونضم الأيد بالأيد
رحت يبني وما تعود
شلون أفرح لعد بالعيد .
تذبحني الذكريات يا مصطفى وأنا أجلس على ركن المقهى كأني أراك الآن تخطو من أمامي توزع الضحكات أنت ورفاقك من الشبان الذين يبتسمون ويتكلمون وينظرون في وجوه المارة وكلهم أمل بالحياة تغمرهم السعادة ولم يفكروا أو يتوقعوا إنك سيغمرك التراب . فكيف لي أن أفرح بعيد أنت فيه عني بعيد وانا وحيد . طلب صعب بل هو بيد الله يا حبيبي لعلي قريباً أرقد إلى جوارك في وادي السلام قرب والدتك كما كنت تتمنى أنت ، وأمنيتي أن أكون بينكما . Fialhmdany19572021@gmail.com
