أُمَّةٌ بينَ الغُمَّةِ و القِمَّةِ..ألمانيا أنموذجًا

*أُمَّةٌ بينَ الغُمَّةِ و القِمَّةِ..*
*ألمانيا أنموذجًا..*

أ. د. ضياء واجد المهندس

عندما أزورُ أوربا، لابدَّ أن أمُرَّ على دولتين،، ألمانيا و اسبانيا، لأنَّي مُعجَبٌ بهما و إن اختلفَت الأسباب.. فكلاهما شعبٌ مٌتميِّزٌ، و لهُم تأريخٌ عريقٌ..
و بالرغم من أنَّ ألمانيا توحَّدت بعد أن كانت مقاطعات، و قادت حربًا ضروسًا في سنة ١٩١٤ إنتهت باستسلامها، إلا أنها غيَّرت أساليبَ الحربِ و العالم في الحرب العالمية الثانية، التي انتهت باستسلامها أيضًا و انتحارِ زعيمها النَّازي أدولف هتلر..
إستسلمَت ألمانيا للحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية سنة (1945)، وكانت حُطامَ دولةٍ، و بلدًا من رُكامٍ و شعبًا في غُمَّةٍ.
كان الشعب الالماني في حالة إحباطٍ و انهيارٍ تامٍّ ، منازلَ و مدنًا كاملةً سُوِّيَت بالأرض بما فيها المدارس و المكتبات و المستشفيات.
حملت قواتُ الحلفاءِ معها المصانع و الآلات، و دمَّروا ما تبقَّىٰ من البُنى التحتيةِ بشكلٍ كاملٍ.
كان الضباطُ و الجُنودُ السوفييت يتجاهلونَ المناظرَ و هُم يُشاهدونَ جُثَثَ نساءٍ ألمانياتٍ في الحَدائقَ العامةِ في برلين، و قد قُمنَ بالإنتحار قبل أن يتمَّ إغتصابهنَّ من قِبَلِ جنودِ الحُلفاءِ.
و عَقِبَ هزيمةِ أَلمانيا إنتَحرت أكثر من 200 ألْف إمرأة خوفًا من الإغتصابِ لدَرجةِ أنَّ السُّمَ قد نَفِدَ من المحلاتِ التِّجارية و أَصبحَ نادرًا.
بينما اغْتُصِبَت أَكثر من مليونَي امْرأةٍ ألمانيةٍ على يدِ جُنودِ الحلفاءِ من بريطانيا و أمريكا و الإتحاد السوفياتي و كندا و فرنسا و استراليا.
و بالرغم من أنَّ مِلَفَّ انتهاكِ حُقوقِ الإنسانِ (جرائم الإغتصاب) لم يُفتَح في مُحاكَمَةِ نورينبمبرغ،
و لو أرادوا محاكمة المجرمينَ الذين تعدُّوا على النساء
فكيفَ يَصِحُّ إثباتُ الفَاعلينَ..
و هل للشعبِ الألماني و لا سيما النِّساء ذنبٌ بحيث يحمِلنَ وِزرَ الآخرينَ؟؟؟!!!
و هل من العدلِ ذلكَ في أن يُغتصَبنَ ….
كان الشعبُ الألمانيُّ خالٍ من الرجال، فهُم عبارة عن نساءٍ و أطفالٍ و شيوخٍ. إنتشرت فكرة الإنتحار حينها، ثمَّ ظهر تيارُ النُّهوضِ من الصِّفرِ (الظلمة) بقيادة النساء، بغيابٍ تامٍّ للحكومة، لبلوغِ المجدِ و القمَّةِ، الذي طالما تربَّع الألمانُ عليهِ.
بدأ الجميعُ بجَمعِ الأنقاض لإعادة بناء البيوت، و جَمعِ الكتب و الأوراق من تحت الأنقاض لفتح المدارس، كتبوا على بقايا الجُدرانِ المُحطَّمةِ شعاراتِ الأملِ و المشاركةِ بالعمل:
ــ لا تنتظر حقَّكَ.
ــ إفعل ما تستطيع .
ــ إزرع الأملَ قبل القمحِ.

كانت الحُقبةُ الزمنيَّةُ ما بينَ عامَيِّ (1945) إلىٰ (1955) مرحلةَ إعادةِ الإعمارِ، و بالأملِ و الإيمانِ يُصُنَعُ النَّجاحُ.
ــ أُلغيَت العُطَلُ الرسمية و أُضيفت ساعةَ عملٍ إضافيَّةِ سُمِّيَت:
ــ ساعةٌ من أجل ألمانيا.
و سُمِّيَت النساءُ:
ــ نساءُ المباني المُحطَّمة.
في العام 1954 فازت ألمانيا بكأس العالم و كانت أصابعُ أقدامِ اللاعبينَ تخرُجُ من أحذيتهم المُهترئة.
المدة من عامِ 1955 إلىٰ 1965 كانت مرحلةَ بناءِ المصانعِ. تمَّ استقدامُ عمَّالٍ أتراكٍ لإعادةِ الإعمارِ، و كتبوا شعارًا للعمل:
( الجِديَّةُ مع الأملِ).

ظهرت في المدة ما بين عام 1965 إلىٰ 1975 رؤوسُ الأموالِ و رجالُ الأعمال، تكَّفَلَ كلُّ رجلِ أعمالٍ بخمسينَ شابًّا و شابَّةً يُعَلِّمُهُم، و يُدَرِّبُهم علىٰ بناءِ الوطنِ و النُّهوضِ بهِ. كانت المَهَمَّةُ هي بَثُّ الأملِ علىٰ التطوُّر و التقدُّم و الإرتقاء إلى القِمَّةِ…
*نتساءلُ* :
هل يمُكننا أن نفعلَ كما فعَلت ألمانيا إذ انبعثَت منَ الرُّكامِ و الرَّمادِ و الغُمَّةِ، لِـنُصبِحَ أُمَّةً في القِمَّةِ؟!!.
أم نبقىٰ من الدولِ الهامشيَّةِ، المُتخَلِّفَةِ و المُستهلِكَةِ، الخارجةِ عن تصنيفِ و معاييرِ الدولِ!!!.
كنا قبل 7000 سنة ، و قبل 3000 سنة منارَ العالَمِ، و مهدَ الحضاراتِ، و موطِنَ الرِّسالاتِ.. يحكُمُ ملوكُ آشور، و الكلدان، و بابل، و أور، و لكش، و أكد العالَمَ، حتى صارت أرضُ بلادِ الرافدينَ مركزَ العالَمِ.. و قبلَ سُقوط الدولة العباسية و استِباحة بغدادَ في سنة 1258م، كنُّا نحكُم العالَم حتى خاطبَ هارونُ الرَّشيدِ الغَمامَ قائلًا: (أيتها الغَمامُ إذهبي حيثُ شِئتِ فإنَّ خَراجَكِ عائدٌ إلَيَّ)..
متى يستفيقُ الشعبُ من غيبوبته، و يُبصِرُ النُّورَ نحوَ القِمَّةِ ليخرُجَ من العُتمَةِ و الظُّلمَةِ؟؟؟؟!!!!!.
إلى متى يبقى بعيرُنا على التَّلِّ؟؟؟؟!!!
إلى متى تبقى مُشكلاتُنا بلا حَلٍّ؟؟؟؟؟!!!!!؟

اللهمَّ أخرِجنا من الظلماتِ إلى النورِ..
و انزِع عنَّا الهَمَّ و الحُزنَ و الثُّبورَ..

البروفسور د.ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي