حسن إسميك يكتب: العرب ونوستالجيا الحضارة المفقودة

حسن إسميك يكتب: العرب ونوستالجيا الحضارة المفقودة

 

كان جدي يقول لي: (سافر، غامر، جرب الأشياء وتعرف على الآخرين، اعمل كثيراً وتحدّث قليلاً. لأنك يا بني عندما ستصبح في عمري ستجد وقتاً طويلاً بلا عمل، ستقضيه في الأحاديث، فاغتنم شبابك لتعدّ العدة التي تمدّك بوفرة الحديث أيام هرمك).

مثلت لي وصية جدي هذه جزءاً مهماً من فلسفة الحياة التي رغبت أن أعيشها، لكن هذا لم يحدث دفعة واحدة، بل لقد تدرجتُ في تفسير كلام جدي وتأويله بالتوازي مع ما صادفته ومررت به من مواقف وأحداث حتى اليوم. تعاملت مع الأمر بداية كمجرد فكرة أو رأي، ثم شعرت أنني أصبحت أكثر اهتماماً بهذه المقولة وكأنها نصيحة ينبغي العمل بها، فصرت ميّالاً لتفضيل الأعمال على الأقوال، مؤمناً أن الأولى تستحق التعجيل، بينما لا ضرر في تأجيل الثانية قدر المستطاع. ثم لم يمضِ وقت طويل حتى تحولت النصيحة إلى معيار أطبقه عندما أجالس كبار السن وأستمع لهم، فإذا وجدت في أحاديثهم حكمة المجربين وخلاصة من اختبر المواقف وخرج منها غانماً، حكمت أنهم عاشوا حياة تستحق، وأنهم كانوا قادة فاعلين ومنتجين استحقوا ما وصلوا إليه عن جدارة منحتهم سعادة واطمئنان خريف العمر، فأرى هؤلاء الشيوخ راضين عن أنفسهم، ومتصالحين مع شيخوختهم، ومع مستقبلهم.

نعم مستقبلهم، وليس ثمة خطأ في ما كتبت، هذا أيضاً ما تعلمته من قول جدي الذي استفتحت به المقال. وقد التقيت ذات مرة ليست بالبعيدة أحد كبار السن في بهو أحد فنادق القاهرة، كان في زيارة استجمام وسياحة قبل أن تفرض كورونا قيودها علينا جميعاً، وليس ذكر اسمه بالأمر المهم على أية حال، إذ يكفي أن أقول أنه من أنجح الأشخاص الذين التقيتهم في حياتي، وكان ذا باع عظيم في التجارة والثقافة، كما كان رائداً في الأعمال الإنسانية التي ارتقت جهوده فيها إلى مستوى قريب مما تقوم به الدول والمنظمات العالمية. كان جليسي هذا ودوداً طلق المحيا ومتحدثاً بارعاً في كل الموضوعات التي عرّج عليها حديثنا. سألته متقصداً: أما زلت تفكر بالمستقبل أم توقفت عن التفكير فيه؟ أجاب بعدما قلّب السؤال في ذهنه لبرهة لمعت عيناه على إثرها: أنا لا أفكر في المستقبل.. أنا أعيشه الآن يوماً بيوم وساعة بساعة، فقد كبرت حتى أصبح مستقبلي حاضري. سألته: ألا تحن للماضي؟ قال جازماً: عندما يكون حاضرك جيداً فإنك لا تحن لماضيك.

شغلتني هذه العبارة الأخيرة طيلة فترة إقامتي في القاهرة، غير أن أمراً آخر كان يشغلني أيضاً، وكانت الإقامة في القاهرة سببه هو الآخر، إذ لا يمكنك في هذه المدينة العجيبة أن تتهرب من سؤال الحضارة، وماضي الأمم ومستقبلها، وقد اخترت هذه المقدمة الطويلة عن قصد تستلزمه إشكالية أزمتنا نحن العرب مع حضارتنا التي علت ثم هوت، ومع حنيننا الدائم إليها.

ولكي لا تقع عزيزي القارئ في اللبس بفهم ما أريد قوله، دعني أبين لك موقفي صريحاً منذ البداية، إذ أنني أشعر دوماً بتحفظ شديد تجاه الفكرة التي مفادها أن حياة الأمم كحياة الأفراد، رغم ما في هذا التشبيه من غواية تجعلنا نتحمس له بادئ الأمر، فالأمة ليست انعكاساً ألياً لأفرادها، ولا يصح أن يناظر وجودها وجودهم، بل هي الخلاصة الكيفية لوجودهم الكمي، وما يتبع هذا الوجود من عمل ونجاح يُصهر في بوتقة واحدة تُسمى حضارة. الحضارة باختصار ليست كائناً حياً عاقلاً.. بل هي نتاج هذا الكائن الحي.

(لقد بنى أسلافنا حضارة عظيمة، وكانوا سادة العالم دون منازع، حتى بلغت أنوار آثارهم مشرق الأرض ومغربها)، وهذا كلام صحيح لا يحتاج دليلاً، ومعروف لدى الجميع لا يحتاج إلى الإخبار به، غير أننا نسمعه كل يوم، ويتبارى كثيرون منا في تقديم الأدلة عليه كل يوم، لا لأن أحداً يجهل ذلك فنخبره، أو يرفضه فنقنعه، بل لأننا ابتلينا بالداء الذي يحبط السعي نحو التحضر وبناء المستقبل، ابتلينا بالحنين إلى الماضي، حتى فرّطنا بالحاضر وضيعنا الغد.

نريد أن نحقق ما حققه أجدادنا، ولكننا في الوقت ذاته نقوم بعكس ما قاموا به، فوالله إنهم ما كانوا ليصنعوا ما صنعوه، لو أنهم تشبثوا بالماضي كما نتشبث به اليوم، وأصابهم داء الحنين إليه كما يصيبنا، بل لقد فهموا فلسفة الحياة أكثر مما فهمناها، وعرفوا أن سر الإنجاز والتأثير يكون في العمل لا في القول، وأدركوا أن للتاريخ أذنين لا تصغيان للكلام بل للفعل، فانطلقت في الميادين أفعالهم حتى بلغت الجهات الأربع، وجلس التاريخ في حضرتهم مئات السنين يستمع لما يصنعون ويحفظ لهم آثارهم بكل أمانة واعتزاز.

ماذا لو أن أجدادنا، بعدما بلغتهم رسالة السماء ونقلت وعيهم من ضيق القبيلة والعشيرة إلى سعة الإنسانية كلها، عادوا فنكصوا على أعقابهم يريدون إحياء ماضيهم والعودة إلى جاهليتهم الأولى، أفلن يكون ذلك ضرب من الجنون؟ الجواب نعم. فلماذا لا ننظر لحنيننا لماضينا كما ننظر لحنينهم هم؟

أتوقع أن يقول قائل: (أنهم إذا أرادوا العودة لماضي أسلافهم فستكون عودتهم للجهل والتخلف والشرك، أما عودتنا نحن لماضينا فهي عودة للدين والإسلام الصحيح الذي ضيعناه فضعنا من بعده). غير أن هذا الكلام، ورغم براءته وصحته في الظاهر، فإنه مملوء بمغالطات كثيرة وكبيرة، أدت في اعتقادي إلى أن تؤتي عكس ثمارها، حين اعتقد جمع غفير من المفكرين أن الطريق للمستقبل لن يتحقق إلا بالعودة للماضي، وهذا والله قول يخالف العقل والمنطق قبل أن يخالف الواقع والتاريخ. أما حجتهم أن الماضي هو الدين الصحيح فهذا والله ابتلاء في الفهم والبصيرة، وإنكار لجوهر الإسلام الذي بعثه الله صالحاً لكل زمان ومكان وقوم، فالدين لا يطويه تاريخ ولا ينهيه زمان، بل هو حاضر اليوم بين ظُهرانينا كما كان دوماً لأسلافنا، فلم يذهب بذهابهم، ولن تكون عودته مشروطة بأن نحذو حذوهم، بل الواجب أن نعود نحن للدين انطلاقاً من حاضرنا ذاته نحو مستقبلنا، ولذلك أرى أن مفهوم العودة عندما يراد به الدين فإنه لا يرتبط بالزمن بأي وجه من الوجوه، بل هو أقرب لمعنى العودة بالرأي والسلوك إلى الحق والصواب.

ولا تعني العودة للدين بأي حال من الأحوال أن نتلمس شرائع وأحكام أسلافنا وفتاويهم، ولا أن نأخذ علمهم عن ظهر قلب دون نقد أو تمحيص، ذلك لأن أحكامهم وفتاويهم ليست هي الدين بذاته، بل هي نتاج تطبيقه على أحوالهم المتغيرة فيما بينها، والمختلفة عن أحوالنا كل الاختلاف. إنها بمعنى آخر حصيلة الفقه القائم على العلاقة الجدلية بين الثابت (الدين) والمتغير (أحوال الناس في زمان ما)، حين كان عماد هذه العلاقة الاجتهاد، ذلك المصدر المهم والعظيم للتشريع، والذي مُذ أُغلق بابه تحول اتجاه سيرنا الحضاري من الصعود إلى الهبوط، وما أظن أن تقوم لنا قائمة حضارية في المستقبل بدونه.

ومما ابتلينا به في هذا الصدد أيضاً، وأقصد داء الحنين إلى الماضي، أننا غلّفنا هذا الداء بغلاف ثقافي فكري سميناه التراث أو الأصالة، وقابلنا بينه وبين الحداثة أو المعاصرة، ولست أنكر هنا أهمية التراث وضرورة دراسته والتفكير فيه وتحليله ونقده، لكن بيت الداء يكمن في رفع مكانته إلى مستوى التقديس، ونزع السمة التاريخية عنه حتى صار لدى بعض دارسيه مطلقاً كالدين نفسه، خاصة في القضايا العقيدية والفقهية، حتى لقد عوملت أقوال بعض العلماء وآراؤهم معاملة القرآن الكريم والحديث والشريف حين استبدلناها بالاجتهاد، لنبني أحكامنا المعاصرة على ما قاله أسلافنا منذ ألف عام أحياناً.

تراث أمتنا غني ومهم، لكنه يفقد غناه وأهميته عندما نضعه في غير موضعه، وهذا ما حصل عندما زعمت فئة واسعة من مفكرينا ضرورة أن ينطلق أي مشروع إحياء حضاري معاصر من التراث ذاته، وكما ذكرت أعلاه، يبدو هذا الكلام منطقياً وصحيحاً في ظاهره، ولكن خطورته وخطأه يكمنان في المغالطات التي ينطوي عليها، وأولها أن تراثنا ليس واحداً بل متعدداً ومتبايناً في بعض أجزائه تبايناً يصل لحد التناقض أحياناً، فإلى أي جزء من التراث نعود؟ إن الإجابة على هذا السؤال أودت بفكرنا المعاصر إلى الوقوع في أحد أكبر أخطاء قراءة التراث وفهمه، أقصد خطأ الانتقائية ونزع ما لا يمكن نزعه من سياقه التاريخي والاجتماعي الذي ورد فيه، ما أدى إلى استخلاص أحكام وصور مشوهة أحياناً ومبتسرة أحياناً أخرى لا تصلح لزماننا ولا تناسب حالنا بأي وجه من الوجوه.

ومن أخطر المغالطات التي تنطوي عليها الدعوة للعودة للتراث زعم بعض المفكرين أنه لا يمكن فهم حاضرنا إلا بالعودة لماضينا، وهذه أيضاً شبه مسلمة يؤمن بها كثيرون دون تردد أو مُساءلة، ولكني أعتقد أنها خاطئة، بل وتخالف أحد أركان فلسفة المعرفة التي قامت عليها حضارتنا السابقة، إذ اشتهر عند فلاسفة العرب أن تحقق المعرفة يكون بقياس الغائب على الحاضر، ولذلك فمن يزعم أن فهم الحاضر لا يستقيم إلا بالعودة للماضي فإنه يقلب القاعدة السابقة رأساً على عقب، فيقيس الحاضر على الغائب، ويتوسل معرفة الحي من خلال الميت، ويستبدل الظن والتوهم بالحقيقة، وهذا برأيي أحد أهم الأسباب التي عطّلت العقل العربي لعدة قرون مضت، فكان ما كان من تخلفنا الحضاري بسبب جمود العقل وتعطله.

أما المغالطة الثالثة فتتعلق بمفهوم الحضارة نفسه، فالحضارة ابنة زمانها ومكانها دوماً، لا يمكن إحيائها إذا كانت بائدة، ولا يمكن استيرادها إذا كانت غريبة، لذلك فإن أي مشروع حضاري جاد ينبغي أن ينطلق من الواقع المتعين ذاته، ويكون محايثاً لثقافة وفكر الأمة في حاضرها تحديداً، ولا قبله ولا بعده، وعلى أيدي مفكريها وقادتها وفلاسفتها وسياسييها المعاصرين لزمانها، وهذا كله مما لا يتحقق عندما نعول على التراث ونتوسله ليكون الرافعة التي تنتشلنا من التخلف وتدفعنا للحاق بركب التقدم والتمدن. وعليه.. أرى أن لا مشكلة أبداً في أي مشروع حضاري يبني مقدماته على القطيعة مع التراث، شريطة أن نفصل هذا التراث عن الدين، وهي النقطة التي ناقشناها من قبل في المقال.

نقطة أخيرة أريد تسليط الضوء عليها لأهميتها، وهي أن أزمتنا مع التراث ليست محصورة فقط بتعاطي التيارات الفكرية الدينية معه، بل ثمة تيارات أخرى علمانية، حملت على عاتقها مشروع إحياء التراث لتعيد على أساسه بناء حضارة معاصرة، ولم تتوقف عند حدود التاريخ الإسلامي، بل تجاوزته إلى ما هو أقدم من ذلك، وصولاً إلى الحضارات التي قامت في منطقتنا منذ آلاف السنين، كالحضارة السورية القديمة بجغرافيتها الواسعة التي تضم بلاد الشام كلها (العراق وجنوب تركيا وسوريا الحالية ولبنان والأردن وفلسطين وسيناء وصولاً لقبرص)، والتي حمل مشروع إحيائها الحزب القومي السوري الاجتماعي بقيادة أنطون سعادة، أو الحضارة الفرعونية في بلاد مصر، والتي نشطت الدعوة إلى إحيائها خلال القرن المنصرم، وتحمس لها كتاب ومفكرون اعتقدوا أن الحضارة كالنبتة إذا ماتت بقيت بذورها، وأن إعادة سقاية هذه البذور واستنباتها سيعيد لها الدور الحضاري ذاته.

غير أن العقود التالية لهذه الدعوات أثبتت أن الحضارات ليست كالكائنات الحية التي يمكن استنباتها أو إعادة استنساخها، بل هي أحداث تاريخية فذة وفريدة لا يمكن تكرارها.

أما خلاصة القول.. فإن استعادة التراث وتمثله ليس شرطاً ضروريا لصنع الحضارة، هو فقط أحد عناصرها الثانوية المحتملة، والذي يمكن أن يؤدي دوراً فاعلاً وإيجابياً في النهوض الحضاري عندما يتم التعامل معه انطلاقاً من الحاضر ذاته، وبأدوات وأفكار معاصرة، وهذا يتطلب أول ما يتطلب أن يكف أبناء اليوم عن الحنين للماضي، كي لا يُلبسوا حاضرهم ثوب تاريخهم، ولا يأخذوا عن أسلافهم أفكارهم وعاداتهم وطريقة عيشهم، لأنه وكما لا يعيد التاريخ نفسه، فالحضارة أيضاً لا تفعل ذلك.

فهل سنكف يوماً عن الحنين لماضينا؟ نعم سنكف عن الحنين إليه إذا، وإذا فقط، أصبحت لنا حضارة جديدة في حاضرنا.

xosotin chelseathông tin chuyển nhượngcâu lạc bộ bóng đá arsenalbóng đá atalantabundesligacầu thủ haalandUEFAevertonxosokeonhacaiketquabongdalichthidau7m.newskqbdtysokeobongdabongdalufutebol ao vivofutemaxmulticanaisonbethttps://bsport.fithttps://onbet88.ooohttps://i9bet.bizhttps://hi88.ooohttps://okvip.athttps://f8bet.athttps://fb88.cashhttps://vn88.cashhttps://shbet.atbóng đá world cupbóng đá inter milantin juventusbenzemala ligaclb leicester cityMUman citymessi lionelsalahnapolineymarpsgronaldoserie atottenhamvalenciaAS ROMALeverkusenac milanmbappenapolinewcastleaston villaliverpoolfa cupreal madridpremier leagueAjaxbao bong da247EPLbarcelonabournemouthaff cupasean footballbên lề sân cỏbáo bóng đá mớibóng đá cúp thế giớitin bóng đá ViệtUEFAbáo bóng đá việt namHuyền thoại bóng đágiải ngoại hạng anhSeagametap chi bong da the gioitin bong da lutrận đấu hôm nayviệt nam bóng đátin nong bong daBóng đá nữthể thao 7m24h bóng đábóng đá hôm naythe thao ngoai hang anhtin nhanh bóng đáphòng thay đồ bóng đábóng đá phủikèo nhà cái onbetbóng đá lu 2thông tin phòng thay đồthe thao vuaapp đánh lô đềdudoanxosoxổ số giải đặc biệthôm nay xổ sốkèo đẹp hôm nayketquaxosokq xskqxsmnsoi cầu ba miềnsoi cau thong kesxkt hôm naythế giới xổ sốxổ số 24hxo.soxoso3mienxo so ba mienxoso dac bietxosodientoanxổ số dự đoánvé số chiều xổxoso ket quaxosokienthietxoso kq hôm nayxoso ktxổ số megaxổ số mới nhất hôm nayxoso truc tiepxoso ViệtSX3MIENxs dự đoánxs mien bac hom nayxs miên namxsmientrungxsmn thu 7con số may mắn hôm nayKQXS 3 miền Bắc Trung Nam Nhanhdự đoán xổ số 3 miềndò vé sốdu doan xo so hom nayket qua xo xoket qua xo so.vntrúng thưởng xo sokq xoso trực tiếpket qua xskqxs 247số miền nams0x0 mienbacxosobamien hôm naysố đẹp hôm naysố đẹp trực tuyếnnuôi số đẹpxo so hom quaxoso ketquaxstruc tiep hom nayxổ số kiến thiết trực tiếpxổ số kq hôm nayso xo kq trực tuyenkết quả xổ số miền bắc trực tiếpxo so miền namxổ số miền nam trực tiếptrực tiếp xổ số hôm nayket wa xsKQ XOSOxoso onlinexo so truc tiep hom nayxsttso mien bac trong ngàyKQXS3Msố so mien bacdu doan xo so onlinedu doan cau loxổ số kenokqxs vnKQXOSOKQXS hôm naytrực tiếp kết quả xổ số ba miềncap lo dep nhat hom naysoi cầu chuẩn hôm nayso ket qua xo soXem kết quả xổ số nhanh nhấtSX3MIENXSMB chủ nhậtKQXSMNkết quả mở giải trực tuyếnGiờ vàng chốt số OnlineĐánh Đề Con Gìdò số miền namdò vé số hôm nayso mo so debach thủ lô đẹp nhất hôm naycầu đề hôm naykết quả xổ số kiến thiết toàn quốccau dep 88xsmb rong bach kimket qua xs 2023dự đoán xổ số hàng ngàyBạch thủ đề miền BắcSoi Cầu MB thần tàisoi cau vip 247soi cầu tốtsoi cầu miễn phísoi cau mb vipxsmb hom nayxs vietlottxsmn hôm naycầu lô đẹpthống kê lô kép xổ số miền Bắcquay thử xsmnxổ số thần tàiQuay thử XSMTxổ số chiều nayxo so mien nam hom nayweb đánh lô đề trực tuyến uy tínKQXS hôm nayxsmb ngày hôm nayXSMT chủ nhậtxổ số Power 6/55KQXS A trúng roycao thủ chốt sốbảng xổ số đặc biệtsoi cầu 247 vipsoi cầu wap 666Soi cầu miễn phí 888 VIPSoi Cau Chuan MBđộc thủ desố miền bắcthần tài cho sốKết quả xổ số thần tàiXem trực tiếp xổ sốXIN SỐ THẦN TÀI THỔ ĐỊACầu lô số đẹplô đẹp vip 24hsoi cầu miễn phí 888xổ số kiến thiết chiều nayXSMN thứ 7 hàng tuầnKết quả Xổ số Hồ Chí Minhnhà cái xổ số Việt NamXổ Số Đại PhátXổ số mới nhất Hôm Nayso xo mb hom nayxxmb88quay thu mbXo so Minh ChinhXS Minh Ngọc trực tiếp hôm nayXSMN 88XSTDxs than taixổ số UY TIN NHẤTxs vietlott 88SOI CẦU SIÊU CHUẨNSoiCauVietlô đẹp hôm nay vipket qua so xo hom naykqxsmb 30 ngàydự đoán xổ số 3 miềnSoi cầu 3 càng chuẩn xácbạch thủ lônuoi lo chuanbắt lô chuẩn theo ngàykq xo-solô 3 càngnuôi lô đề siêu vipcầu Lô Xiên XSMBđề về bao nhiêuSoi cầu x3xổ số kiến thiết ngày hôm nayquay thử xsmttruc tiep kết quả sxmntrực tiếp miền bắckết quả xổ số chấm vnbảng xs đặc biệt năm 2023soi cau xsmbxổ số hà nội hôm naysxmtxsmt hôm nayxs truc tiep mbketqua xo so onlinekqxs onlinexo số hôm nayXS3MTin xs hôm nayxsmn thu2XSMN hom nayxổ số miền bắc trực tiếp hôm naySO XOxsmbsxmn hôm nay188betlink188 xo sosoi cầu vip 88lô tô việtsoi lô việtXS247xs ba miềnchốt lô đẹp nhất hôm naychốt số xsmbCHƠI LÔ TÔsoi cau mn hom naychốt lô chuẩndu doan sxmtdự đoán xổ số onlinerồng bạch kim chốt 3 càng miễn phí hôm naythống kê lô gan miền bắcdàn đề lôCầu Kèo Đặc Biệtchốt cầu may mắnkết quả xổ số miền bắc hômSoi cầu vàng 777thẻ bài onlinedu doan mn 888soi cầu miền nam vipsoi cầu mt vipdàn de hôm nay7 cao thủ chốt sốsoi cau mien phi 7777 cao thủ chốt số nức tiếng3 càng miền bắcrồng bạch kim 777dàn de bất bạion newsddxsmn188betw88w88789bettf88sin88suvipsunwintf88five8812betsv88vn88Top 10 nhà cái uy tínsky88iwinlucky88nhacaisin88oxbetm88vn88w88789betiwinf8betrio66rio66lucky88oxbetvn88188bet789betMay-88five88one88sin88bk88xbetoxbetMU88188BETSV88RIO66ONBET88188betM88M88SV88Jun-68Jun-88one88iwinv9betw388OXBETw388w388onbetonbetonbetonbet88onbet88onbet88onbet88onbetonbetonbetonbetqh88mu88Nhà cái uy tínpog79vp777vp777vipbetvipbetuk88uk88typhu88typhu88tk88tk88sm66sm66me88me888live8live8livesm66me88win798livesm66me88win79pog79pog79vp777vp777uk88uk88tk88tk88luck8luck8kingbet86kingbet86k188k188hr99hr99123b8xbetvnvipbetsv66zbettaisunwin-vntyphu88vn138vwinvwinvi68ee881xbetrio66zbetvn138i9betvipfi88clubcf68onbet88ee88typhu88onbetonbetkhuyenmai12bet-moblie12betmoblietaimienphi247vi68clupcf68clupvipbeti9betqh88onb123onbefsoi cầunổ hũbắn cáđá gàđá gàgame bàicasinosoi cầuxóc đĩagame bàigiải mã giấc mơbầu cuaslot gamecasinonổ hủdàn đềBắn cácasinodàn đềnổ hũtài xỉuslot gamecasinobắn cáđá gàgame bàithể thaogame bàisoi cầukqsssoi cầucờ tướngbắn cágame bàixóc đĩa开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育乐鱼体育亚新体育亚新体育亚新体育爱游戏爱游戏爱游戏华体会华体会华体会IM体育IM体育沙巴体育沙巴体育PM体育PM体育AG尊龙AG尊龙AG尊龙AG百家乐AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人<AG真人<皇冠体育皇冠体育PG电子PG电子万博体育万博体育KOK体育KOK体育欧宝体育江南体育江南体育江南体育半岛体育半岛体育半岛体育凯发娱乐凯发娱乐杏彩体育杏彩体育杏彩体育FB体育PM真人PM真人<米乐娱乐米乐娱乐天博体育天博体育开元棋牌开元棋牌j9九游会j9九游会开云体育AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人爱游戏华体会华体会im体育kok体育开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育欧宝体育ob体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育开云体育开云体育棋牌棋牌沙巴体育买球平台新葡京娱乐开云体育mu88qh88

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى