المخدرات افة العصر والموت البطيء
الباحثة الاء حسن هادي
لا شك ان مشكلة المواد المؤثرة عقليا ( المخدرات ) من المشاكل العويصة التي تعصف بالمجتمعات في كل أنحاء العالم؛ لما لها من آثار مدمرة على الفرد والمجتمع في مجالات عدة ( نفسية واجتماعية واقتصادية )، وقد أضحت تؤرق جميع شرائح المجتمع بما فيهم أجهزة الدولة الأمنية والقضائية والتشريعية والتنفيذية، إضافة الى علماء الاجتماع وعلماء النفس ورجال الدين والأطباء والجامعات والمنظمات المدنية والحقوقية، كما أن الأسر والعوائل التي ينتمي اليها متعاطو المخدرات ينالها القسط الأكبر من المعاناة والصعوبات، ناهيك عن الأفعال المشينة والأعمال السيئة والخطيرة التي يقوم بها هؤلاء المتعاطون للمخدرات والناقلون لها والتجار الذين يشكلون المافيات المرعبة التي لديها الاستعدادات والقابليات والنوايا الخبيثة لتدمير المجتمع بكل أطيافه وتدمير أنفسهم .
من هنا ومن دافع الإحساس بالألم الذي يعتصر قلوبنا والحرج الذي يدمر مشاعرنا والتفكير بالآتي الذي سوف يخيم على أطفالنا وشبابنا وأهلينا وللمستقبل المجهول الذي ينتظرنا ويقضّ مضاجعنا، نرى من الواجب بل من الحتم علينا أن نلتفت الى هذه الظاهرة المقيتة والخطيرة ولا نجعلها في زاوية اللامبالاة والتناسي؛ كونها الـ ( تسونامي ) الذي سيجرف ويدمر ويُغرِق كل شيء أمامه، والنار التي ستُحرق الأخضر واليابس ولا تُبقي ولا تذر، حينها لا ينفع الندم وكما قال تعالى: (وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ) .
واذا رجعنا الى المهتمين بهذا الأمر نجدهم يقدمون لنا التحليلات والاوصاف لهذا العمل السيء، بدءاً بتعريفه، فقالوا: إن المخدر لغة من الخدَر وهو الضَّعف والكسل والفتور والاسترخاء يقال : تخَدّر العضو إذا استرخى فلا يطيق الحركة، وإن ما يطلق عليه اليوم إسم المخدرات يشتمل على مواد مختلفة ومتباينة في تأثيراتها وخطورتها، منها المخدرات المكيفة كالحشيش والأفيون وسواها .
أما من الناحية التاريخية فإن استخدام المخدرات قديم قِدَم البشرية وعرفته أقدم الحضارات في العالم، فقد وُجدت لوحة سومرية يعود تاريخها إلى الألف الرابعة قبل الميلاد تدل على استعمال السومريين للأفيون، وكانوا يطلقون عليه نبات السعادة، وعرف الهنود والصينيون (الحشيش) منذ الألف الثالث قبل الميلاد، كما وصفه هوميروس في الأوديسا، وعُرف الكوكائين في أمريكا اللاتينية منذ 500 عام ق.م، وكان الهنود الحمر يمضغون أوراقه في طقوسهم الدينية. أما القات فقد عرفه الأحباش قديماً ونقلوه إلى اليمن عام 525 ميلادي.
وفي أوائل القرن التاسع عشر تمكن الألماني سيدترونر من فصل مادة المورفين عن الأفيون وأطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى مورفيوس إله الأحلام عند الإغريق .
وفي المشرق الإسلامي يرجح إبن كثير أن الحسن بن الصباح في أواخر القرن الخامس الهجري كان زعيم طائفة الحشاشين، وكان يقدم طعاماً لأتباعه يحرف به مزاجهم ويفسد أدمغتهم، وهذا يعني أن نوعاً من المخدرات عرفه العالم الإسلامي في تلك الحقبة .
ويرى المقريزي أن ظهور الحشيشة كان في أول القرن السابع الهجري على يد “الشيخ حيدر” من جهلاء المتصوفة وكان يدعوها بحشيشة الفقراء .
أهم العوامل التي تكون سببا لتعاطي المخدرات :
إن لانتشار المخدرات أسباباً مختلفة تتعدد بتعدد طبيعتها وطبيعة متعاطيها، وأثر الطبيعة والظروف التي يعيشها المتعاطون، إضافة الى الدول التي ينتمون لها وطبيعة أنظمتها وقوانينها التي تحكمهم، فمن جهة طبيعتها، فإن بعضها يُصنّف حسب تأثيرها والآخر يصنف حسب طرق انتاجها المواد
نستطيع ان نعزي أولوية الأسباب الى الدول الغربية والاستعمارية ومخططاتهم في العمل على شل حركة الدول النامية ودول العالم الثالث لا سيما الدول الإسلامية التي تمتلك من الطاقات والخيرات والشباب الذين يتسلحون بالمبادئ والقيم، فعملت هذه الدول على تدمير تلكم القيم والمبادئ والعمل على انحراف الشباب وتوجيههم نحو الهاوية كما فعلت بريطانيا عندما شجعت على زراعة الأفيون في الهند ومصر وكما فعلت من أجل السيطرة على الصين عندما أوحت إلى عملائها بزراعة الحشيش في أراضيها والذي مكنها من استعمارها للصين أكثر من ثلاثة قرون
ومن الأسباب القاهرة هي الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعيشها الشباب، مما يؤدي الى العقد النفسية وإنماء روح الانتقام من الواقع ومن أنفسهم باللجوء الى المخدرات .
كما أن انتشار البطالة وقلة فرص العمل تولد فراغا قاتلا للشاب، وهذا الفراغ يحاول أن يقضيه الشاب مع رفاق السوء الذين يأخذون بيديه الى التعاطي .
أما الأفلام الهابطة المتداولة التي يُرَوّج لها وتُتَداوَل بشكل يسير جدا والتقليد الأعمى الذي يسيطر على مراهقينا من خلال الاقتداء بممثليها في استعمال المخدرات هي الأخرى من الأسباب التي تشجع على الاقدام على هذا العمل .
ولا ننسى عامل الفقر الذي يؤدي الى اللجوء الى تعاطي المخدرات؛ لأن الشعور الذي يولده العامل المادي يسبب الحرج والتقهقر في حياة الشاب، وبالتالي سوف يلجأ الى البحث عمن يعطيه أو يغنيه فيتلقفه أرباب الفساد وتجار الرذيلة .
أن المشاكل الأسرية والخلاف بين الزوجين كثيراً ما يدفع أفراد الأسرة للجوء إلى المخدرات هرباً من الواقع المؤلم الذي يعيشونه وكذا سوء معاملة الأولاد، أو الإفراط في تدليلهم وتلبية رغباتهم، كما يعتبر سفر أبنائنا إلى الخارج وسرعة التنقل من الأسباب التي سهلت لهم امكانية الحصول على الجنس والمخدر بعيداً عن رقابة الأهل.
ونحب أن نشير إلى أن ضعف الوازع الديني وعدم اللجوء إلى الله في الشدائد من العوامل الهامة في إحداث الإدمان، ذلك أن الإنسان المتدين بعيد جداً عن جحيم الاعتياد، إذ لا يمكن أن تمتد يده إلى المخدر لا بيعاً ولا تداولاً ولا تهريباً؛ لأن طريق المخدرات هو طريق الشيطان ولا يمكن لطريق الرحمن أن يلتقي بطريق الشيطان .
هذه بعض الأسباب التي تؤدي الى الإدمان على المخدرات، إضافة الى أسباب أخرى كثيرة أصفحنا عنها لضيق المقام .
المعالجات المقترحة:
من اجل الوصول الى سبل تؤدي بنا الى تحييد هذه الظاهرة الخطيرة والفتاكة التي تعصف بشبابنا وفلذات أكبادنا ومحاولة التخلص منها، هناك العديد من المعالجات والأساليب الوقائية، منها:
1- نشر الوعي الثقافي والمجتمعي بين فئات الشباب من خلال ادخالهم في مجالات علمية ودراسية وتبصيرهم بمخاطر الادمان .
2- العمل على تأكيد وتعزيز الاهتمام بهذه الفئات بحيث تكون الاولوية لهم في عمليات التخطيط والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتوجيه والإرشاد النفسي والاجتماعي 3- ينبغي العمل على مساعدة هؤلاء الشباب في تحقيق آمالهم وتقريبها من الواقع وتضييق
الفجوة بين ما يسعون ويهدفون إليه والواقع الاجتماعي الملموس .
4- توفير فرص العمل وتشغيل الطاقات الشبابية سواءً في المشاريع والمؤسسات الحكومية او مؤسسات القطاع الخاص؛ لأن الانخراط في العمل يجنب الشاب الذهاب الى أماكن أخرى .
5- توعية الشباب والمراهقين بخطورة الوقوع في دوامة المخدرات وآثارها السلبية عليهم، وكذلك لابد من العلاج المتكامل وإعادة التأهيل للفئات المعنية
6- توفير نظام معلوماتي يأخذ على عاتقة رصد كافة التطورات في هذه الظاهرة بكل السبل المعلوماتية المتاحة لغرض اكتشاف ومراقبة وملاحقة تجار المخدرات والمروجين لها والمتعاطين ومراقبة الأماكن التي تكون مضافات لإيواء هؤلاء المتعاطين .
7- تأسيس قوى أمنية مختصة يقع على عاتقها مراقبة وملاحقة هؤلاء وتنفيذ الإجراءات الرادعة بحقهم .
8- دعم وتعزيز مختلف ممارسات التنشئة باعتبارها اساس لتكوين مجتمع مبني على القيم والمبادئ من خلال دور الوالد والوالدة والاسرة جميعا موجهين ومرشدين لكل عمل يقوم به الابناء ولا سيما القيم الاسرية وتوجيهها نحو عاداتنا وتقاليدنا .
7- مراقبة الحدود الدولية والمنافذ الحدودية التي تدخل من خلالها المواد المخدرة بكل أنواعها وعدم السماح للدول المجاورة بإنتهاك أراضي بلدنا وتمرير مخططاتهم سواءً المادية او والمعنوية .
نسأل الله العلي القدير أن يُصلح حال أبنائنا ويجنب بلدنا كل ما يؤدي الى تحطيمه وتأخره وتدهوره جراء هذه الممارسات التي تُهلك الحرث والنسل وتجر الويلات تلو الويلات وتؤدي الى الضياع والتسيب، انه سميع مجيب .