الإرهاب الفكري والنفسي ضد الطفل أسَريّاً ومدرسياً، الأسباب والتداعيات والمعالجات
الباحثة الاء حسن هادي
مما لا شك فيه ان مرحلة الطفولة من اشد المراحل حساسية في حياة الانسان، وانها اذا نبتت منبتاً حسناَ وأزهرت وآتت أكُلَھا ضعفین، فهي ترنیمة عذبةٌ في أفواهِ الأمھات، وقُرّةُ أعینٍ للآباء، وفرحةٌ كُبرى للإنسانیةِ جمعاء .
ولا يختلف إثنان أن هذه الطفولة تنتابها وتشوبها مخاوف كثيرة تختلف من شخص لآخر، وهذه المخاوف – عادة – تبدأ من مرحلة الطفولة المبكرة؛ بسبب عدم قدرته – أي الطفل – على إدراك العالم الخارجي وفهم ما يدور فيه، وهذا أمر طبيعي، فهناك الخوف من الحيوانات والخوف من الظلام والخوف من الغرباء والخوف من الوحدة، والرهبة من الأماكن العالية والأماكن المغلقة.. ولكن هذه المخاوف من الممكن تجنبها في حال عرضت لحياتنا، وسرعان ما تزول وتختفي بشيء من التوجيه والرعاية والإرشاد، لكن بعض المخاوف قد تظهر في مرحلة الطفولة المتوسطة بصورة تختلف عن مخاوف الطفولة المبكرة من حيث شكلها ونوعها وخطورتها واستمرارها وديمومتها مثل التعنيف والإرهاب الذي يواجهه الطفل في الاسرة والمدرسة، والتي تعتبر من الاخطار والمنغصات التي تسبب مشكلة للطفل، فهو في الوقت الذي لا يستطيع تجنب الذهاب للمدرسة، كذلك لا يسعه المكوث في البيت لإحساسه المرهف وعلاقته بمدرسته والالتقاء بزملائه، وبهذا يقع بين محذورين .
من هذا المنطلق كانت دوافعي – في هذا المقال – البحث في أسباب التعنيف والإرهاب وكيف يمكن للأهل التعامل معه لعلاج هذه المشكلة؟ :
ارى أن أكثر المخاوف انتشاراً في مرحلة الطفولة المتوسطة هي الخوف من المدرسة او رفض الذهاب إليها، وهذا يكمن في مجموعة من الصعوبات الشخصية او صعوبة في العلاقات التي تصيب الطفل في المدرسة او في الاسرة وتتراكم مع مرور الوقت وتفت في عضد هؤلاء الاطفال. ويتولد لديهم خوف غير منطقي من المدرسة، وهو ليس إرهابا اعتياديا، ويعبر هؤلاء الأطفال عن خوفهم هذا من خلال الصعوبة في المواظبة على الذهاب إلى المدرسة والذي يمكن ملاحظته في سلوكهم، كمظاهر الاحتجاج والرفض والعناد والبكاء احياناً، والتذرع بحجج غير مقنعة احياناً أخرى، وذلك عند إرغامهم على الذهاب إليها.
يقترن هذا الاحتجاج في كثير من الأحيان باضطرابات انفعالية ووجدانية حادة تفضي إلى أعراض مرضية بدنية مثل: الصداع وآلام المعدة أو الغثيان أو القيء…الخ.
حيث نرى ان المشكلة لدى الطفل غالباً ما تبدو على شكل شكاوى مبهمة من المدرسة او الإحجام عنها بشكل مستمر؛ ليصل في نهاية الأمر إلى رفض الذهاب إلى المدرسة رفضاً كلياً أو البقاء في البيت كطلب من والديه أحيانا، وغالباً ما يكون هذا الرفض مصحوبا بعلامات واضحة من قبيل القلق والذعر والتي تبدو في أوضح صورها عندما يحين موعد ذهاب الطفل إلى المدرسة، وبعضهم يستطيع مغادرة البيت متوجهاً إلى المدرسة ولكنه يعود إلى البيت من منتصف الطريق وبعضهم عندما يكون في المدرسة يندفع إلى البيت في حالة من القلق والذعر، والعديد من هؤلاء الأطفال يصرّون على عدم الذهاب إلى المدرسة متذرعين بمبررات مدّعاة كحيل كي يتجنبون الذهاب إليها.
وتختلف الأسباب التي تؤدي إلى الاضطراب عند الأطفال ومن ثم رفض الذهاب الى المدرسة، وهذه الاسباب لا تختلف بين الاناث والذكور، ولا بين التلاميذ المتميزين والاقل تميزاً ،كما انه يصيب كل الفئات المجتمعية والمهنية، ومن تلك الأسباب:
1- تعرض الطفل لبعض الأحداث المتعبة والمجهدة له مثل: الانتقال من مدرسة لأخرى مما يتطلب منه التعايش والتآلف مع مجتمع جديد من أقرانه وأجواء جديدة .
2- المشاكل العائلية التي تعصف بالأسرة، من قبيل الخلافات الزوجية والتي تؤدي – أحيانا – الى انفصال الابوين وغيرها من المشكلات كمرض احد افراد العائلة، فهذه وغيرها من الأسباب تؤدي بالنتيجة الى الخوف من البدء بالمدرسة او الاستمرار فيها .
3- يرفض الطفل المدرسة تجنبا للتعرض للمواقف التي تسبب له القلق والتوتر مثل الامتحانات أو التقديم الشفوي والخوف من الفشل او الاداء الاجتماعي.
4- استمتاع الطفل بقضاء وقت خارج المدرسة أو مع الوالدين في المنزل، خاصة في حال كان متعلقا بأحد والديه او بكلاهما أو اخوانه في أسرته.
5- التعرض للتنمر والعنف او اي نوع آخر من أنواع سوء المعاملة، كذلك لعدم وجود اصدقاء له.
ان البحث في هذا الموضوع الخطير والحساس يتطلب منا ان نكون من المتظافرة جهودهم من أجل انقاذ أطفالنا وجيلنا الصاعد لأنهم هم من سيبنون المستقبل، ومن الضروري تقديم الآراء والمعالجات الجذرية لهذه المشكلة لما لها من تأثير سلبي على حياة الطفل أكاديميًا واجتماعيًا، ومن بين المعالجات :
1- من ناحية المدرسة:
يجب تشجيع الطفل على الذهاب الى المدرسة والمواظبة عليها من خلال توجيه الكلمات المحببة الى نفسه وإطراء المدح على شخصيتَه في كل وقت؛ كي يشعر أن المدرسة هي المكان الداعم له والجهة التي تُنمّي شخصيته ؛ مما يجعله أكثر تفكيرا وإنشداداً لما يكال له من كلمات وإطراء؛ لأنه بطبيعته الطفولية يكون شديد التحسس من أي انتقاد او انتقاص، مما يؤدي الى إحداث قدر كبير من الضرر الذي تسببه بعض الكلمات والتصرفات والتعليقات سواء كانت متعَمّدة أم غير مُتَعَمّدة، وهذه بدورها تؤدي الى تراجع كبير في تعزيز مستوى الثقة بشخصيته وتُزيد من تقهقر الطفل وفقدانه للثقة في معلمه بل وحتى في بيئته الأسرية، كذلك العمل على إشراك الطفل في الأنشطة الاجتماعية والمدرسية التي من خلالها سوف يشعر بالأمان والاندماج مع بقية التلاميذ، فالعزلة والإنزواء تزيدان من تعقيد مشكلاته، كذلك من العوامل المدرسية التي تساعد على نمو شخصية الطفل عدم تجاهله عندما يرفع يده للمشاركة والتفاعل في الدرس داخل الفصل بل تشجيعه ومكافأته على ذلك ولو كان مخفقا في اجوبته، فالأطفال عندما يعتادون على المكافئات سوف يميلون الى تكرار هذه السلوكيات. بالتالي سيشعر الطفل بالنجاح وانه ذو قيمة في مدرسته وبين اساتذته وزملائه.
2- من ناحية أسرته وما يقع على عاتق الوالدين:
فأول خطوة في علاج المشكلة هي تحديد السبب، فإن تحديد المشكلة وأسبابها يؤديان الى نصف الحل على الأقل، فالوالدان يلعبان دورا كبيرا في تنشئة شخصية الطفل، فالسنوات الخمس الاولى في اسرته نجدها أكثر حرجا من حيث إلتصاق الطفل بأبويه وأسرته وإجترار أفعالهم وأقوالهم فيصبح صورة الظل لهذه الاسرة، وكلها رهن بما يدور في هذه الاسرة ورهن بأفعالها وسلوكياتها .
والآن وقد عرفنا أهم الأعراض والاسباب التي تدُلّنا على أن الطفل يعاني من خوف وعنف في مدرسته، بيد أن معرفتنا بتلك الأسباب يفتح أمامنا فرصة كبيرة كي نتجنب المشكلة أو أن نعالجها. وبالطبع في مثل هذه الحالة فالطفل يحتاج إلى استشارة أخصائي الصحة النفسية، ويمكن أن يقوم بذلك أخصائي المدرسة، فإن معرفة السبب ستسهل عملية علاجها .
إن إدخال الطفل إلى المدرسة تدريجيا والإصغاء له جيداً ومنحه الشعور بالأمان مع والديه وبأنهم على استعداد للاستماع إلى مخاوفه ومشاكله يقطع الطريق على كثير من المنغصات والعراقيل التي تسبب الحرج والتراجع في شخصيته، كذلك الإنتباه لأسئلة الطفل في ما يحبه من نشاطات المدرسة وتحديد المواعيد مع المعلم أو مستشار المدرسة، لكي يقوموا بتقديم الدعم والمساعدة والمساندة اللازمة للطفل خلال وجوده داخل المدرسة، كما يمكنهم اتباع الحلول الموجودة في كتب المساعدة الذاتية، مثل القيام بالتمارين البدنية والفكرية ومدى أهميتها وفائدتها له، كذلك العمل على مساعدة الطفل على ممارسة هواياته والتعرف على الأشياء التي يحبها .
من هنا فإن تعزيز ثقة الطفل بنفسه وإعطائه الدعم الكامل وبنائه بناءاً متكاملاً سوف يجعل منه عنصرا مؤثرا وفاعلا في المجتمع ويكون في قابل أيامه وسنيّه شيئا مذكورا يُشار اليه بالبنان ويصبح عضوا وركنا أساسيا فاعلا في أسرته وفي مجتمعه
من هذا كله أردنا أن نسهم في هذا الموضوع لخطورته وأهميته ولو بالنزر اليسير، بإعتبار أن الطفل هو البرعم الذي سيكون الشجرة المثمرة التي تُؤتي أكُلها كل حين .