خفافيش ” أم البروم “
خفافيش ” أم البروم ”
كاظم اللايذ
كائناتُ ” أمّ البروم ” الطوطميةُ ,
لا تظهرُ كثيراً في النهار ،
لأنها تكونُ منشغلةً , هناك :
على أبوابِ المطاعم
أو في مجالس التعازي
أو عند حاويات الأزبال
..
وبعد أن تهبطَ سُدَفُ الليلِ على الساحة
بمكانِسها السود
جارفةً الناسَ الى بيوتهم ,
يَشرعُ هؤلاءِ بالظهور :
بأَسمالِهم
وصرائرِهم
كأـنّهم مسافرون
نزلوا من سفينةٍ موبوءةٍ بالطاعون …
يتوزّعون على أبوابِ الدكاكينِ المقفلة.
أو على أرائكِ المقاهي المطفأةِ الأضواء .
أو يقفون على مداخلِ الأزقّةِ .
تلتمعُ عيونُهم في الظلمةِ
كما تلتمعُ عيونُ القطط .
……
الناسُ هنا
يعرفون
أنّ أمّ البروم
لم تكن – في الماضي – سوى مقبرةٍ .
لذا يذهبُ بهم الخيال :
أن هذه الكائناتِ الليلية
هم الموتى
يغادرونَ لحودَهم
في غفلةٍ من الحرس
عندما يسأمون من نومٍ طويل …
……
الصحفيون يفشلون دائماً
مع هؤلاءِ
لأنهم يرفضونَ الكلام
ويرتعدونَ من عيونِ الكاميرات
واذا ما تكلموا
فليس لأحدٍ إلى رطانتِهم من سبيل.
….
وذاتَ ظهيرةٍ
تقحّم أحدُهم عليَّ دكّانتي
واحتلّ الكرسيَّ الفارغَ أمامي
مالئاً الجوّ برائحةِ جسدٍ
لم يدخلِ الحمّامَ منذ دهور.
………..
وبعد أنْ سكنَ واطمأنّ
راحَ يفتحُ لي صِرارَ حكايتهِ :
إنّه من ( الموصل )
وإنّ أخاه قد اصطحبهُ بالقطار , إلى بغداد
فتاهَ عنه في زحام عياداتِ الأطباء
وتقطعتْ به السبل …
وفي متاهته
مرّ بمحطةٍ للقطار
فدخلَ , واستقلَ إحدى العربات
فوجد نفسَه في اليوم الثاني
في البصرة !
وانتهتْ به قدماهُ نزيلاً في أمّ البروم
ووجهاً مألوفاً من بين سكّانها …
……..
لكلّ كائنٍ من هذه الكائناتِ , حكايتُهُ
بحبكاتِها المختلفة
يعرفُ تفاصيلَها البعضُ من أهل الساحة
ويتناقلونها تندّراً أو تأسفاً ..
لكنّ الأقلَ اكتراثاً بها ,
هو صاحبُها :
هذا الكائنُ العائمُ على سطح الوجود
المنفلتُ من مدار الزمن
المتنازلُ طوعاً عن حصّتهِ من الحياة
المقذوفُ جانباً
دونما اسمٍ
أو انتماءٍ
أو معنى ..
لا يراهُ الناسُ إلاَ في زقاقٍ مظلم
او على دكّةِ دُكانٍ مقفل .
او على أريكةِ مقهىً مطفأِ الأضواء .