المرأة والطفل “بين ازمة كورونا” وبين العنف والانحلال الأسري “التفاصيل”
قد يكون الحديث عن العنف بجميع أشكاله حديثاً عادياً في مجتمع يكون العنف جزءاً من حياته اليومية او حتى لا يُعاقب عنه او يردعه لكن اليوم اصبح هناك تطور في ذلك العنف وبشكل كبير وخصوصاً في ظل جائحة كورونا اللعينة التي وضعتنا أمام ظاهرة متدهورة خطيرة تعاني منها العائلة العراقية والأسرة بشكل كبير فكان (الطفل والمرأة) هما الهدف جراء الحجر المستمر والإجراءات المتبعة من خلية الأزمة والضغط المتواصل على الأُسر العراقية ولا سيما أن معاناتها كثيرة جراء ضغوطات الحياة والإلتزامات المادية الكبيرة والتي بدورها تكون عائقاً نفسياً على رب الأسرة وعلى الاسرة بشكل عام وأيضاً يقابل تلك الضغوط النفسية والالتزامات المادية ووجود الحجر الصحي توقف شبه تام للعمل على المستوى الحكومي والخاص جراء تطبيق مقررات خلية الازمة، جميع تلك العوامل تساعد على توليد العنف داخل الاسرة.
إن جميع ما تم ذكره لا يجعلنا نُسلم او نؤيد ظاهرة التعنيف او نسمح بها او أن نتقبلها إطلاقاً أبداً لكن وفي جميع انحاء العالم المتحضر عندما تطرأ ظاهرة على المجتمع تكون هنالك جلسة حقيقية هادفة ومهنية لمعرفة الاسباب والمسببات التي أوصلت الحال الى تلك الظاهرة ولغرض معالجتها وطرق إنهائها وعليه أن يتم تحليلها بشكل علمي دقيق وحقيقي لكن إلا في بلدي فالظاهرة تتعمق وتنتشر وقد نساعد في توسعها ونكاد لانسمح بتدخل او إهتمام حكومي واقعي لها وذلك يدمي القلب مع شديد الأسف وقد يكون مؤثراً جداً في نفوس المجتمع المنهك وخير دليل على عدم المبالاة من مجلس النواب في التصويت على قانون العنف الأسري على الرغم من التدهور الخطير في التعنيف الاسري القتل والتهديد والعنف وحتى قتل الاطفال بغية ردع المجرم والحد من تلك المشكلة المجتمعية.
” س . ك” من بغداد تقول ايضا إنني أسكن في احدى الاحياء الفقيرة في بغداد، لقد شاهدت حالات كثيرة ومؤلمة في منطقتي قد يبكي لها الصخر، شاهدت في إحدى المرات شخص حاول الانتحار فقد استيقظنا في ذلك اليوم على صراخ وصياح الجيران ( فلان قد قتل نفسه فلان قد انتحر) ركضنا جميعنا الى ذلك البيت وشباب المنطقة قد هبوا مسرعين للمساعدة ، كانت إمرأة في باب الدار تصرخ وتبكي وتلطم الخدود الى جانبها ابناءها الصغار وهم يتباكون مفزوعين ، شدّني ذلك المنظر المرعب والمؤثر جداً لمعرفة ماذا حدث داخل المنزل دخلت وكانت الصورة مهولة ولم تذهب عن مخيلتي كان زوج تلك المرأة الشاب قد علق نفسه بمروحة السقف وهو يحاول الانتحار وكان في أنفاسه الاخيرة لكن سرعان ما اندفع نحوه أبناء المنطقة وقاموا بانزاله وبالقوة، كان مُصراً على قتل نفسه بتلك الطريقة المفجعة بعد ان تم انزاله تكلم معه الموجودين لماذا هذا التصرف وماذا تفعل بنفسك وكثيرا من الاسئلة والاستغراب، رد على الجميع باكياً صارخاً ممزقاً لملابسه : عن أي حياة تتكلمون! اطفالي بدون طعام، وليومين ابنتي الصغيرة تشرب الماء والسكر ولا استطيع توفير الحليب، لها زوجتي تعاني من مرض ويجب اجراء عمليتها وتموت ان لم افعل وهي لاتنام ليلها من شدة الألم، الان بعد سماعكم قصتي هل تعتقدون انني رجل! هل تقبلون جميعا هذا الحال! انني إن لم أمت اليوم سيموت اطفالي وزوجتي امامي واحدا تلو الآخر ولا استطيع فعل شيء لهم .
(شيماء اسعد) تقول : انني أعمل موظفة حكومية وزوجي ايضا موظف نحن نسكن في شقة في احدى مناطق بغداد لدينا طفلان، بعد اجراءات الحظر المنزلي وتطبق قرارات خلية الازمة وتنفيذ مقرراتها اصبحنا داخل تلك الشقة على مدار “24” ساعة يومياً، زوجي يعنفني بالسب والشتم لفظياً دائما وباستمرار وعلى ابسط الاشياء وان كانت لاتستحق ذلك، في بداية الامر أعذرته بسبب الوضع الذي نمر به وضيق السكن الغير ملائم إضافة الى هموم ومتطلبات المعيشة والتي زادت عليه، الا انه ازداد شراسة وجرأة أكثر عن ما هو عليه، وقد تطور من ذلك التعنيف اللفظي الى التعنيف الجسدي واصبح الوضع لا يطاق داخل المنزل نهائياً، اعتبره الآن مريضاً نفسياً لا أعرف كيف أتصرف معه، فجميع الطرق استخدمتها معه وفي كل مرة أحاول تجنبه، أما اليوم أدركت في كل صباح وعندما استيقظ اعلم ستكون هنالك مشكلة جديدة بانتظاري، أتمنى المساعدة، أتمنى من يقف معي في محنتي فقد أُغلقت جميع الابواب أمامي وبقيت صابرة محتسبة لا أستطيع الذهاب الى أهلي لان النتائج معروفة لدي، ستكون نهاية لحياتي وتهديم لاسرتي وضياع لأبنائي الذين عملت جاهدة لأن اراهم متماسكين أسرياً حتى اقطف ثمار نجاحهم اتمنى من الله أن يمدني بالصبر والقوة .
سجى سعد عمرها 22 سنة غير متزوجة تسكن مع أهلها في بيت زوج والدتها، تقول : بعد وفاة والدي تزوجت أمي من رجل معروف حالته المادية جيدة جداً هذا الرجل يعاملني معاملة غير جيدة كنت اتحمل اسلوبه المزعج والمهين بسبب دخوله الى المنزل كان لفترات قليلة لالتزاماته واعماله الكثيرة خارج المنزل لكن وبعد وباء (كورونا) وفرض حظر التجوال قلّ عمله والتزاماته خارج المنزل، أشتد عليّ حينها الضغط النفسي والتعنيف المستمر والاهانة والاحتقار، كنت أعيش أسوء أنواع المعاناة وعلى أي سبب كان، حاولت ان اتحمل واتحمل ولكن ليس لدي غير الاستسلام لهذا الوضع حتى كان في احد الايام ينظر اليّ بنظرات غريبة لم افهمها وتغيرت أساليبه تجاهي نحو الافضل كنت لا أفهم نواياه لكن حمدت الله على تصرفاته ظنّاً مني أنه تغير لكن أتضح بأنه فخ ونواياه كانت سيئة فحاول أن يعتدي عليّ في إحدى المرات مُستغلاً فيها عدم وجود أمي للاي كانت قد ذهبت الى بيت خالتي، صرخت يومها بوجهه وهربت الى بيت الجيران حتى رجوع أمي، وعندما رجعت أخبرتها بما حصل وواجهته والدتي لكن لم يبالي وقال لها أنها تكذب وأنني كنت أمازحها، حاولت أمي أن تساندني ضده لكنها لم تستطع فقام بضرب أمي بعنف شديظ وضربني أيضاً وخرج من البيت وكأن شيئا لم يكن، جلست والدتي معي وهي تحاول ان تلملم الأمور لكنني رفضت ذلك وقررت أن اذهب الى بيت خالتي والتي كانت وما زالت تقول ( بنيتي هاي السالفة لاتحجين بيها تكبر وميصيرلها حل وامج وين تروح تحملي وصبري) أخذنا هذه الهموم والمصائب وذهبنا بها الى الباحثة في الشؤون الاجتماعية الاستاذة سرى العابد، حدثتنا قائلة أن ما يمر به البلد من تعنيف أسري ليس وليد اليوم وانما هو نتيجة تراكمات سلبية مرّ بها البلد ويمر بها حالياً لكن اليوم أصبح التعنيف الأسري ظاهرة عملاقة ومرعبة تهدد سلامة المجتمع بالانهيار.
اليوم وسائل التواصل الاجتماعي تضج بتلك الحالات وبشكل وبشكل يومي ومستمر فنشاهد أب يقتل ابنه او بنته او امرأة تعنف وتودي بحياتها الى الانتحار، شاب ينحر زوجته واغتصاب وتهديد وغيرها من الأمور كارثية، وأن معالجة تلك الظواهر المتفاقمة تحتاج منا الى وقفة حقيقية جادة والى تدخل حكومي كبير يتمثل بعدة أمور منها تشغيل الايدي العاملة العاطلة عن العمل وإكمال قانون العنف الأسري من قبل مجلس النواب، أيضاً إيجاد السكن الملائم للعوائل الفقيرة، اضافة الى تفعيل رواتب العوائل المحتاجة من شبكة الحماية والتي تعاني الفقر، ونحتاج الى التثقيف ونشر حرمة تلك الأعمال شرعاً وقانوناً والتعريف المستمر للعوائل العراقية عن النتائج السلبية لتلك الظاهرة التي تسبب في الأنهيار المجتمعي الأسري في المستقبل لا سيما إن استمرار التعنيف وتكراره يؤدي الى الاكتئاب والعزلة والتوتر والخوف وفقدان الثقة بالنفس قد يؤدي الى الانتحار في بعض الاحيان.
نحن اليوم ندرك انه يجب أن تكون هنالك حلولاً لمعالجة تلك المشكلة وعدم ممارسة دور النعامة بإخفاء الرأس في الرمل تجاهلاً لحجم المشكلة والتي بدأت تنتشر وبارقام مخيفة وحالات محزنة دون مواجهتها او العمل على كيفية تقليلها ان لم يكن حلّاً جذرياً وقد يبدأ الحل بإقرار القانون للعنف الاسري من قبل مجلس النواب والذي طال انتظاره حتى يكون غير رادع للمجرم الذي ينوي فعل تلك الأفعال وأيضاً الدور الحكومي بالاهتمام بالشباب وتشغيل العاطلين ووجود فرص عمل والدعم من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية / دائرة الرعاية الاجتماعية للعوائل المحتاجة عبر قنواتها وبرامجها، وتخصيص مبالغ للعوائل التي لا تملك سكن حتى وان كانت حلولاً وقتية لتدارك الأزمة المجتمعية وإقامة ورش تثقيفية من قبل وزارة الشباب والرياضة ووزارة الثقافة ودعم الشرطة المجتمعية وإسنادها بقانون لغرض معالجة المشكلة وقيام المحطات الاذاعية والتلفزيونية بإعداد البرامج تخص هذه الظاهرة متمثلة بأُناس أصحاب اختصاص يقومون بتشكيل فرق جوالة تثقيفية واخرى رادعة من قبل وزارة الداخلية ووزارة الصحة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية لنشر الوئام والسلام والمحبة داخل الاسرة الواحدة والصبر على البلاء وتحمل المسؤولية من قبل الكوادر الاعلامية والمثقفين والاكاديميين بغية الوصول في نهاية المطاف الى التصالح المجتمعي لان تماسك الاسرة يعني بناء مجتمع متماسك وقوي ومتحضر ان شاء الله .
على مجلس النواب رفع الأيادي والمصادقة على قانون العنف
الأسري
بقلم / فراس غازي الكناني