التشاؤم

التشاؤم
ـــــــــــــ
تحدثنا فيما مضى عن العادات والتقاليد التي تعايشت أو تعايشنا معها ، وقد ينتج في بعض حالاتها عن تشاؤم مقيت لاينفك عنا بخاصة اؤلئك المهزوزين في إيمانهم المطلق بإرادة الله ، فكثير من الأمور التي نراها مجبرين غير مخيرين ينتج عنها ردود أفعال تعتمد كليا على ثقافة الإنسان ، وهنا لا أقصد الثقافة الأكاديمية بل الثقافة المجتمعية فالمجتمع هو المدرسة الكبرى في ثقافة الإنسان إذا استثنينا الحالات السلبية التي قد تحدث هنا وهناك ، بل قد يكون بعض حاملي الشهادات العليا أو المشار اليهم بدرجة ثقافتهم يؤمنون إيمانا كبيرا في هذه الأمور ، فالشاعر الكبير سعدي يوسف يقول أنه لا يستطيع فرك إحدى عينيه إلا وكان الفرك نصيب العين الأخرى ، لأنه يتشائم من حادث شؤم قد يعترية نتيجة عدم فركه لعينه الثانية ، وهذا ناتج بالتأكيد عن عادات وموروثات إجتماعية نشأت ونمت وترعرعت فيما بيننا ، ومن الأمور الأخرى المصاحبة لحياتنا منذ أن كنا صغارا ، أن لانرتضي بوقوف البومة على سطح أو مقابل دارنا سواء كانت واقفة على بيت أو شجرة مقابلة ، وعلينا شن هجوما سريعا عليها بغية طردها وكذلك مايحدث للبومه فإن نعيق الغراب يبعث إلى التشاؤم ، وهنا لانهتم بموقع الغراب بقدر مايهمنا نعيقه ، فسماع نعيقه قد يؤدي إلى كارثة محتملة نحن في غنى عنها .
ذات يوم كنت مع زميل لي مستقلين سيارة منطلقين في أحدى الطرق النيسمية في قرية من قرى محافظة واسط ، فإذا بأرنب يمر مسرعا أمامنا قاطعا هذا الطريق عرضا ، فما كان من زميلي إلا أن يهم برمي ورقة نقدية بغض النظر عن قيمتها ، ولم أدرك ماتعنيه فعلته فوجدتني ذاهبا في سؤال عما فعله ، ليأتي جوابه ، بأن عمله هذا لمنع حدث عابر قد يحدث لنا بسبب مرور هذا الأرنب ، فهو هنا بعمله هذا يكون قد تقاطع مع فعلة ذلك الأرنب المسكين وحسب ماتقتضيه موروثاته الإجتماعية ، وأضاف بأن مايخالف هذا الأرنب هو زحف الأفعى ، فإذا ماتقاطع خط سير الأفعى مع خط سيرنا فهذا معناه أن الخير أمامنا ونحن سائرون إليه .
ولو عدنا إلى ما تتشائم منه عوائلنا لوجدنا هناك الشيء الكثير ، فغسل الملابس غير مسموح به إطلاقا يوم السبت لأن هذا نذير شؤم فهناك مشكلة كبرى في إنتظارنا ، وكذلك أكل السمك ، فهذا لايجوز أكله يوم السبت للسبب ذاته ، والغريب في الأمر أن أسواق الأسماك تكون عامرة في يوم السبت وهذا مايتناقض مع هذه الفرضية ، فلو أن هذا الأمر حقيقياً لأقفلت تلك الأسواق ، وهل أكل السمك يختلف عن بيعه ؟ بينما تولد هناك أمر ٌ مهم ٌ في أكلة السمك ، فأغلب العوائل تولد لديها تقليد لأكل السمك في يوم محدد ، فكان يوم الأربعاء هو اليوم المفضل لتناول هذه الوجبة ، ولم أر ذلك حقيقة للعمل بها بل كنت لا أهتم بهذه الفرضية ، فأنا لم يكن عندي يوم مخصص لأكلة السمك ، ولم تحدث لي أية مشكلة بفضل الله كنتيجة لذلك وإن حدثت فأنا على يقين بأن المصادفة كان لها الأثر الأكبر أو هي ماقدر الله لنا في حدوثها وليس للسمك أي دور فيها . ذهبت ذات يوم من الأيام وبالتحديد ( وكان عصر يوم جمعة ) قاصداً بيت صديق لي وهو طبيب ( بورد إختصاص باطنية ) وعند وصولي إلى مقصدي إستقبلني هذا الطبيب بكل مايحمله من رقي الأخلاق وحسن الطباع ، وبعد إستراحة قصيرة ونحن نجلس متجاورين إلى بعض في صالة الإستقبال ، جاءت زوجه بصينية الشاي ( فيها كوبان مع زجاجة سكر وقوري شاي ) وما أن وضعت زوجته تلك الصينية على الطاولة الراكزة أمامنا حتى هرع إلى القوري ليمسكه ويدير أرنبته بإتجاه معاكس ، إذ كانت الأرنبة بإتجاه صديقي هذا ، وكنت أتوقع بأنه يهم بصب الشاي إلا أن الأمر إختلف تماما ، إذ بعد الإستفسار منه عن فعلته هذه ، لم يبح بالسر من وراء عمله مع أرنبة القوري ، ولم أكن على دراية بما يعنيه ويقصده من فعله هذا ، إلا أن نتيجة الأمر كان مضحكا ولم أدرك أن مايعنيه كان لتشاؤمه وإبعاد شرٌ قد يحدث له في القريب العاجل ، وهذا ما علمت به بعد مغادرتي بيته نتيجة لبقاء الأمر عالقا في ذهني مما دعاني للإستفسار عما رأيت من أحد الأصدقاء ليخبرني بمفهوم التشاؤم من أرنبة ذلك القوري ، وبكل اصرار وتحدٍ ، رحت أجعل أرنبة القوري بإتجاهي أينما حللت ووجدت أمامي قوري شاي أو كان جلوسي أمامه غير مبال بإتجاهها مؤمنا إذا ماكان هناك من أمر ، فإن ذلك لايعود إلى هيأة وضع ذلك القوري وإنما يعود إلى إرادة الله وقضائه وقدره وعلينا ادراك مشيئة الله جيداً وأنه لا راد لإرادته ، وكثيرا ما تعمدت في فرك عيني ولم اشمل الأخرى بعطفي عليها في فركها ، ولم يحدث لي أي مكروه ولربما فركت كلتا عينيّ بالتناوب في يوم ما وحصل لي أمر مكروه لاتحمد عقباه ، فأنا على قناعة تامة ، أن ما قدره الله لنا بعيدا كل البعد عن هذه الخزعبلات ، ومن الأمور الغريبة أيضا ؛ هناك من ابتدع طقسا فيه من الغرابة الشيء الكثير ؛ إذ يتناقض كليا مع عاداتنا وطبائعنا بخاصة الكرم الذي يسير معنا بشكل مواز لحياتنا والذي نتباهى به بين الشعوب ، فإذا ماطرق أحدهم مابعد المغرب بابه ( كأن يكون جار له ) ليطلب منه رغيف خبز أو ماشابهه ، فعليه الإعتذار منه وعدم تلبية طلبه تنفيذا لما يؤمن به من أن ذلك سوف يبعد البركة عن رزقه ، إذن ليست هناك من سيطرة على هذه الأمور سوى المصادفة التي ربما تحدث أو لم تحدث ، وأن الأمر المكروه الذي قدره الله لابد أن يحصل ، سواء فركت عينا واحدة أو الاثنتين معا ، أو أعطيت السائل من قوتك مابعد المغرب أو لم تعطه ، ولكن هل هذه الأمور كانت حديثة عهد مع عصرنا أو أن لها جذورها التأريخية ؟ وكتحصيل حاصل لا أظن أنها وليدة اليوم وبالتأكيد أنها تولدت على مر الأزمان وربما قبل الميلاد إذا مابحثنا عن أصولها وجذورها وكيف سرت في مجتمعاتنا المتعددة القوميات والثقافات والديانات .

ســــــــــعد عبدالوهاب طه