المسافر والخيـــــــــال ( 22 )

المسافر والخيـــــــــال ( 22 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومما اثار انتباهنا في هذه المحطة هو قلة الكادر إلى درجة تثير الإنتباه ، فأكثر الأمور الفنية والإدارية تعمل تحت عنوان الأتمتة وهذا مايقلل من عدد العاملين في المحطة وبالتالي توفير مدخولات مالية للشركة مما يؤثر في زيادة ارباح الشركات التي تعمل بنظام الأتمتة .
ركبنا إحدى عربات احد القطارات عائدين من حيث أتينا ، ليسير بنا بسرعة عالية مابين اماكن ومناطق مدينة روتردام ، إذ أن هذا القطار مخصص للتنقل الداخلي مابين ارجاء هذه المدينة وليس للمدن الخارجية ، لذلك فتراه يتوقف في محطات عديدة لينزل منه ويصعد اليه عدد غير قليل من الركاب ، إلا أننا مازلنا في حالة تعجب واندهاش من جمالية المدينة والطرقات وكثرة الجسور مع قلة التقاطعات وبالتالي فان هذه التوقفات العديدة الحاصلة للقطار كانت نتيجة حتمية بفضل نظام مرور فني رفيع المستوى في التصميم والتطبيق بالإضافة إلى وجود طرق متعددة الأغراض ، فهناك على جانبي الطريق الرئيس وهو بالتأكيد مصمم ذهابا وايابا طريق خاص للدراجات وآخر للمشاة ، ومن أجل تقليل الزحام والتقاطعات التي تسبب في تأخير حركة السير ، تم انشاء عدد غير قليل من الأنفاق والجسور ، ففي بعض التقاطعات رأينا ثلاثة جسور يمر بعضها على بعض ، كل واحد منها له مهمة خاصة من أجل تنظيم السير والحركة المرورية بشكل انسيابي منعا للزحام مما سيوفر الإقتصاد في الوقت لعامة الناس ، وجعل حركتهم على مايرام ، ناهيك لجمال المدينة والذي يمكن تحديده بشكلين ، جمالية الطبيعة وجمالية المنشآت التي تم إنشاؤها عن طريق الهندسة المدنية ، فجمال الطبيعة من الصعب وصفه ، لتناسق الأشجار والورود المنتشرة بمساحات كبيرة تكاد لاترى في مكان آخر ، أما الجمال الصناعي الذي اسسته الهندسة المدنية فهي تكمن بتنسيق الشوارع والطرقات وما تم انجازه منها بالإضافة إلى العمارات السكنية المنتشرة بشكل متناسق ، وكما مر ذكره من جماليتها التي تضفي عليها وكأنها عمارة من الزهور ، إذ عمد سكانها إلى وضع اصص الزهور في شرفات شققهم وهي تتدلى من تلك الشرف ، وإذا ماعلمنا أن تلك العمارات متكونة من عدة طوابق فعلينا أن نتخيل منظر العمارة والتي تبدو وكأنها قطعة انشائية من الزهور سواء كان ذلك في الإرتفاع او الطول العرضي لتلك الإنشاءات ، ولكن من الأمور التي لمسناها ولم نستسيغها في تلك المدينة هو ممارسة الحب واللحظات الغرامية بشكل علني وامام الناس غير آبهين بمن حولهم ، حالهم حال غالبية المدن الأوروبية ، وهذا ما وجدناه في هذه العربة ، اذ بات من الأمور الطبيعية أن تجلس الفتيات في حجور اصدقائهم وجها لوجه وهم يتبادلون القبلات .
وصلنا إلى بوابة الميناء لنرى هناك شبه مشاجرة بين شرطة كمارك الميناء وأحد الأشخاص الراكب في المقعد الخلفي من سيارة اجرة ، وراح أحد رجال الشرطة يأمر ذلك الراكب ( والذي تبين لنا أنه من بحارة سفينتنا ) بأن يعطيهم زجاجة الويسكي التي معه ، اذ ان تلك السيارة كانت قادمة من السفينة ومتجهة إلى خارج الميناء ، ولكن ذلك البحار ينفي أن يكون معه أية زجاجة ، وبعد عدة محاولات من الشرطة وهي تأمره بهذا الأمر وذلك البحار ينفي من أن يكون معه أية زجاجة ، وهذا ما جعل صبرهم ينفد مما ادى إلى قيام أحد رجال الشرطة بأن يفتح باب السيارة ويسحب ذلك البحار بتلة واحدة ليجعلة مشمورا خارج السيارة ويقوم بتفتيش محل جلوسه ويستخرج زحاجة الويسكي من تحت مكان جلوسه ، وهنا حمل تلك الزجاجة وهو يصرخ بوجه البحار ، ماهذه ؟ وهو يعبر بحركته هذه عن تأكده من قيامه باخفاء تلك الزجاجة ، ولينتهي هذا الفصل بأن يودع هذا البحار في نظارة شرطة الكمارك لأمر لاندري كيف ستكون نتائجه ، إذا ماعلمنا انه تم تثقيفنا من قبل مسؤولي سفينتنا على ضرورة احترام القوانين النافذة في اي بلد نصل إليه ، وهذا ماجعل ربان السفينة أن يحظر بنفسة إلى بوابة الميناء ليتكلم مع شرطة الكمارك وأخذ يحدثهم بان هذا البحار لا يقصد المتاجرة بهذه الزجاجة ، وإنما كان على موعد مع صديقته لجلسة عاطفية معها في أحد الحدائق وليحتسيا بعضا من تلك الزجاجة ، ولأنه لم يتعود التعامل مع مثل هذه الأمور سابقا ويجهل التعليمات في هذا الشأن لأنها الرحلة الأولى له ، لذلك فهو يقدم الإعتذار عما بدر من ذلك البحار وانه مستعد لأي عواقب مالية تترتب عن هذا الأمر ، فكان رد الرجل المسؤول ، بأنه لايظن أنها الرحلة الأولى له بدليل أن له صديقة هنا ، ولكن عليه احترام القوانين الكمركية ، ومع ذلك واحتراما للربان ، فأن ذلك المسؤول امر باخراج ذلك البحار من التوقيف ، مع التعهد بعدم تكرار هذا الأمر سواء كان منه أو غيره ، وبنفس الوقت أمر هذا المسؤول بأن يتم اعطاء تلك الزجاجة للربان ، على أن تعاد إلى السفينة ، وكبادرة حسن نية من الربان ، قدم تلك الزجاجة هدية إلى رجال شرطة الكمارك ، فأعتذر المسؤول من استلامها مبررا ذلك قائلا من أنهم بالواجب ، مما دعى الربان أن يقدم لهم الشكر لتفهمهم جوهر المشكلة ، وهكذا تمت حلحلة هذا الأمر بهدوء لينتهي بهذه بصورة … يتبع

ســــــــــعد عبدالوهاب طه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى