الفنان يوسف العاني
![](wp-content/uploads/2023/12/IMG-20231206-WA0048.jpg)
الفنان يوسف العاني
التتبع سفـر الفنان المبدع ( يوسف العاني ) يحتاج الى الكثير من الجهد البحثي أو الاستقرائي , لتسجيل مراحل حياته الفنية الغنية , لتكوين نظرة مختبرية ثاقبة عبر المشاهدة الحقيقية الموثقة لِجُـل منتجه الإبداعي الفني المتنوع , ليكون باستطاعته سبر أغوار رحلة ( العاني ) الفنية الطويلة ومسيرته الحافلة الزاخرة بالعديد من الاعمال الفنية على مستوى المسرح , والسينما , والتلفزيون , تأليفا وإعدادا , وتمثيلا , وربما لن يحتاج ذات الباحث او المتتبع الى الكثير من العناء , او الجهد , في رسم صورة ابتدائية محلقة عبر زمن إخصاب الفن العراقي الجميل , او الجلوس قبالته ، لتحليل شخصيته البغدادية الاصلية النادرة , فحينما يقف الباحث في فسحــة ( العاني ) الإبداعية ، يكتشف بأنه رجل واضح كل الوضوح , بل بسيط كل البساطة , وسفره الفني , سجل ملحمي خالد , يستطيع المتتبع أن يتصفحه في كل الاحايين , بل في كل الازمنه والامكنة , ليتمتع ويسمو وهو يتواشج بكل تلك الطبائع الشعبية الرائعة , وجل تلك الملامح البغدادية الجميلة الاصيلة , التي ارتسمت على محياه بطمأنينة أخاذة ، وربما يحيط به عبر تلك الجدران العبقة ، وملامح تلك الأزمنة الفائتة ، كل ذلك الأريج والعبق العراقي الجليل المتألق , الذي يفوح من بين ثنايــا (العاني ) الوديعة .
ولد الفنان ( يوسف العاني ) في 1/7/1927 بمحلة بغدادية شعبية قديمـــة تعرف بـ ( سوق حمادة ) وسط بغداد ويبدو أنه قد أخذ الكثير من أصول وركائز وأشكال كتاباته المسرحية , من اجواء وملاذات محلته تلك ، الغير مكترثة البتة بالمتغيرات التي كانت تحيط بها ، ( سوق حمادة ) تلك المحلة الصاخبة , والآمنة والوديعة , بذات الومضة السريعة لحركة الازمنة , والتواريخ , والتي ما تزال في ظني المؤكد , تخلد في نبض مسمياته القرائنية الدلائلية الذهنية , بصورها المنكسرة العتيقة الشفيفة , حيث تلتصق بماهياته الغير مرئيه , وتعيش خالدة في ذاكرة ( العاني ) وما زالت عالقة في ذهنه المتقد , بملامحها البنائية الطرازية البغدادية المنقرضة , وبوجوه اهلها البغداديين الطيبين النجباء , الذين عاش بينهم وتعلم منهم , وأفاد من عِبرهم الحكائية الملحمية في كتاباته المسرحية , والتي أطلقتُ على عروضها في أحايين متفاوتة بـ( الفرجة البغدادية ) , والتي أخضعت النص , او الخطاب المسرحي , لتوليفة تدعو للاعجاب , والوقوف امامها باحترام بالغ , وهي تحاول تأصيل الحكاية والبيئة ، والشخصية ، والمثنولوجيا البغدادية , من اجل توثيق المناخ الحكائي الملحمي البغدادي , عبر المنتج المسرحي داخل عمق صيرورة تلك الفرجة التي أسَسَ لها عمليا في عروضه العديدة ، فيما بعد ، يُعدُ الفنان ( يوسف العاني ) أحد أهم أعمدة المسرح العراقي , ومن رواده الأوائل الذين أسسوا اللبنات الاولى في دعائمه الحاضرة في الباحة المسرحية والثقافية العربية , بل وارتقت تلك الدعائم المتألقة أعلى مراتبها على المستوى المعرفي التنظيري والاستقرائي , أو على مستوى المنتج الابداعي في إحالته لـ( العرض المسرحي ) أسس ( العاني ) عام 1952 فرقة ( مسرح الفن الحديث ) مع الفنان الراحل الكبير ( ابراهيم جلال ) ونخبة من الفنانين العراقيين الرواد ولقد اسهمت هذه الفرقة في رفد المسرح العراقي بجملة من الاعمال المسرحية الرائعة والتي أرخت لحقبة تاريخية متألقة في سجل المسرح العراقي , والتي ستنقشها ذاكرة الباحة المسرحية العراقية , باحرف من ألق , لتظل زاهية بأبهى صورها المشرقة المضيئة , وكانت هذه العروض محط أنظار الجمهور العراقي بكل شرائحة , فقد توافدوا على مشاهدتها من كل حدب ثقافي , ومن كل صوب شعبيّ , ونخبويّ , حيث عرضت الفرقة اعمال مسرحية مهمة كـ( الشريعة والخرابة ) و ( اني امك يا شاكـر ) و ( الخرابة والرهن ) و ( نفوس ) و ( خيط البريسـم ) و ( المفتاح ) و ( الخان ) والعديد من العروض المسرحية الرائعة ، وسيبقى الفنان الرائد ( يوسف العاني ) ظاهرة متميزة ، فريدة من نوعها , تُصهر في بودقتها الاستثائية جل تصانيف الفنون الجميلة وشتى المعالم المعرفية الثقافية والادبية المتنوعة , بتواشج أخاذ جميل يثلج صدر المعرفة , ويسرُ قلبَ ( الفرجة البغدادية ) الجليلة وسيشمــخ ( العاني ) على الدوام , نخلة عراقية باسقة , متألقة يرفرف فوقها , علم الذاكرة الحية للفن العراقي النبيل الخلاق .