الخبرة في العمل
الخبرة في العمل
ـــــــــــــــــــــــــ
تمر الذكريات في أذهانا بغض النظر عما فيها من أحداث زمانية ومكانية , فمنها ماهو طيب الذكر ومنها ماهو طريف يستوجب تذكره على مر الأيام ومنها مالم تطق النفس إلى ذكراه بخاصة المواقف المحزنة .
لا أدري مالذي دعاني إلى إستذكار هذا الحدث الذي جمع مابين الطرافة والألم التي تسببت لزميلي وعانى منها ماعانى من إرتداد بحالته النفسية , وما صاحبها من ظروف إقتصادية صرفة في زمن الحصار .
حدثني زميلي في إحدى الليالي وكنا فيها مرابطين عند معسكرنا الكائن في بعقوبة نتسامر فإذا به يتحدث عن قصة حقيقية حدثت له وأخذ بزمام الحديث ليتحدث عما حدث وجرى له قائلا : ــ
قبل أكثر من سنتين ( أيام الحصار الإقتصادي ) مررت بضائقة مالية , حالي حال بقية الناس , وأخذت أفكر مع صديق لي عن كيفية تحسين وضعنا المادي , فإذا به يعرض علي فتح مكتب تجارة عامة ومقاولات مناصفة , فقلت له كيف نمارس تلك المهنة وليس لدينا أية خبرة في ممارستها ؟ حينها أجابني أن هناك أحد معارفه صاحب مكتب تجارة عامة ومقاولات في نيته مغادرة القطر فبإمكاننا تعويضه عن بعض مستلزمات المكتب لاسيما أنه ليس هناك من منافسة عليه , ولا يتطلب بعدئذ لفتحه سوى الإتفاق مع مالك العمارة لإستئجاره , فطلبت منه بعضا من الوقت للتفكير من جهة ولتدبير مبلغ المناصفة لإستئجار المكتب من جهة أخرى , ولم يطل تفكيري سوى ساعات لأتصل به هاتفيا وأخبره بموافقتي على هذا العرض لاسيما اني تسلمت حصتي قبل أيام من أرث والدتي عن بيع دارها السكنية التي لم تعد هناك من داع لوجودها بعد وفاتها .
وتم فتح المكتب تحت عنوان مكتب الصفا / تجارة عامة ومقاولات , التجارة هنا تعتمد على بضائع التجار التي يعرضونها علينا لإيجاد سوق لتصريفها , أما المقاولات فتعتمد على التنسيق مابين المقاولين وأصحاب المشاريع الإنشائية , وهكذا وبكل سذاجة الخبرة تم فتح المكتب بتوظيف عامل لتنظيف المكتب وعمليات الشاي وتقديمه للزبائن , ومن محاسن المصادفات ان المكتب فيه هاتف تم تعويض صاحب المكتب السابق بمبلغ مناسب ليتنازل عن حقوقه وليتم تحويله بإسم صديقي .
ومرت أيام وأيام نتناوب انا وصديقي على إدارته إدارة فضائية والتي ليس منها أية منفعة مجدية لاسيما انا عسكري كما تعلم , وقد اعتمدت كليا في ادارة المكتب على صديقي المتفرغ كليا للعمل على الإدارة .
ذات يوم وأنا اتمتع بأجازتي , غمزت السنارة بعد شهرين بأن جاء لمكتبنا أحد المقيمين من الأخوة العرب عارضا علينا إمكانية توفير عشرة أطنان من مادة تمر الهند , لوجود معمل عصائر تم إنجازه يزمع بانتاج عصير تمر الهند , على أن لايزيد سعر الطن الواحد على سبعمائة وخمسين الف دينار , فطلبت منه التريث لبعض الوقت حتى أتمكن من الإتصال بالتجار , فعمدت إلى إدارة قرص الهاتف موهما إياه بمكالمة هاتفية , وتحدثت مع نفسي وكأني أخاطب أحد التجار , وقد أفهمته من خلال محادثتي أن ذلك يتطلب ثلاثة أيام , فوافق مبدئيا على هذا التوقيت طالبا منا أن نأخذ الأمر على محمل الجد فوعدناه خيرا .
وفي اليوم التالي خرجت بصحبة صديقي نبحث عن تمر الهند في الأسواق متنقلين من تاجر إلى آخر ولكن بدون جدوى سائلين نفسينا , هل من المعقول أن تذهب أول صفقة , أدراج الرياح ولكن يبدو أن الفرج شمر عن نفسه عند أحد التجار وهو يقول أن هناك تاجرا جوالا يمر علينا عارضا بعضا من بضائعه ومنها تمر الهند , فتنفسنا حينها الصعداء طالبين منه عنوان هذا التاجر , فأعتذر منا من أنه لايعرف عنوانه ولا رقم هاتفه موضحا أنه دائم المرور هنا , فرجوناه أن يأخذ رقم هاتفه ليتسنى لنا الإتصال به فوعدنا خيرا بعد إعطائه رقم هاتفنا , ويبدو أن الأمر سار معنا بكل إيجابية ليتصل بنا هذا الرجل ويخبرنا بأنه حصل على رقم هاتفه ويمكننا الإتصال برقمه بعد أن اعطانا إياه , وبالفعل اتصلنا به وقد رحب بنا ، وبعد أن عرضنا عليه مطلبنا ، أكد لنا أنه يستطيع تجهيزنا بثمانية أطنان في الوقت الحاضر وبسعر خمسمائة الف دينار للطن الواحد وأن السعر غير قابل للنقاش ففهمنا أن ذلك معناه ربحا لنا بمقدار مليوني دينار , فوافقنا على الفور , وتعهد لنا أنه سيوصل البضاعة للمكتب بوساطة سيارة حمل كبيرة تدفع اجورها من قبلنا , على أن يتم دفع الثمن قبل تنزيل البضاعة وهذا ماتم بالفعل , اذ عند وصول عجلة الحمل قمنا بتسليمه اربعة ملايين دينار , وقد تسلمها كاملة عدا ونقدا طالبين منه المزيد فوعدنا بذلك وغادرنا إلى غير رجعة وأصبحنا في لهفة عودة ذلك الأخ المقيم العربي وإلى الآن لم يأت والبضاعة المغطاة بأغطية خاصة امام المكتب تعفنت ولم يوافق عمال البلدية من إزالتها إلا بعد أعطائهم إكرامية قدرها خمسة وعشرون ألف دينار .
اندهشت كثيرا بتألم وأنا اسمع قصته , ولكني أفصحت له بأنه كان يجب عليه المغامرة بعد دراسة مستفيضة لواقع السوق وأنه كان على حق منذ البداية حينما قال لصديقه بأنهما عديما الخبرة في هذا المجال … وعاشوا عيشة سعيدة .
ســــــــــعد عبدالوهاب طه