العادات والتقاليد

العادات والتقاليد
ـــــــــــــــــــــــــــ تتطور المجتمعات مع تطور الزمان والمكان ويسلكون طرقا للعيش الرغيد تارة ، أو عيشة الضنك قد تصل إلى الخماص تارة أخرى ، ومع هذا وذاك وكنتيجة حتمية لتطور الأحداث تولدت هناك أمور كثيرة قد تقرب المجتمعات نحو السلبية أكثر مما هي عليه في الإيجابية ، ومن هذه الأمور التي باتت تعيش معنا منذ أزمنة طويلة ومن الصعب تحديدها في يومنا هذا وكذلك يصعب على الباحث تحديد جذورها وأسبابها ؛ ألا وهي العادات والتقاليد ، فقد ولدت حسب تقديري المتواضع نتيجة الحياة المتذبذبة الأبعاد وكذلك لتعدد بيئات إجتماعية قد تختلف كثيرا فيما بينها وباتت مؤرقة لتلك المجتمعات ، ولو دققنا عن ماهيتها أو ولجنا فيما تحتويه من مفاهيم ، لانجدها تتماشى مع روح العصر أو القيم الإجتماعية والثقافية لمجتمع مرت عليه آلاف السنين وهو يبني حضارة أدهشت العالم وأصبح منارة سامقة لكل الباحثين والمجتهدين الأعلام ، وإني لا أرى فيها منفعة أو مضرة ، أمور تقترب أو تكاد أن تكون عديمة الأهمية ، فلو نظرنا إلى هذه العادات والتقاليد لوجدناها منتشرة مابين أفراد المجتمع بمختلف ثقافاتهم بل تراها في كثير من الأحيان قد تمركزت ونمت مابين أكثر المجتمعات ثقافة ، فتجدها في بيت الطبيب والمهندس والإستاذ الجامعي والمعلم والعامل وباعة الأسواق على حد سواء ، فما أهمية وضع ملعقة الشاي سواء كانت في الماعون أو الإستكانة ذاتها ، وماهو أثر ذلك أو ماهي السلبيات المتولدة عن ذلك ، ففي مجتمع البصرة رأيت أنه من العيب أن توضع ملعقة الشاي في الإستكانة بينما في المحافظات الشمالية وعند تقديم الشاي توضع الملعقة داخل الإستكانة فما هو الضير الذي جناه أهل الجنوب وأهل الشمال وهل حصل شيئا إيجابيا لجهة فاقت على الجهة الأخرى ، لا أظن ذلك ، وتتعدد شاكلات هذه العادات والطباع إلى أمور أخرى ، فإذا طلب أحد المدخنين سيكارة زميله ليوقد سيكارته فلا يجوز أن يعطيها لزميل آخر لذات السبب بل عليه إعادتها إلى صاحبها الأول وإن شاء ايقاد سيكارة زميله الثاني فما عليه إلا أن يعطيه سيكارته بمعنى آخر ، لايجوز إيقاد سيكارتين من سيكارة واحدة ، ولو ساءلنا أنفسنا عن المشكلة العظمى الناتجة عن هذه العادة ، فإننا لم نر َ مايعيب هناك من شيء إذا ما علمنا العمق التاريخي لظهور السيجارة ، ومن التقاليد العجيبة أنه لايجوز إيقاد سيكارة المستطرق وهو يمر على شخص يدخن الأركيلة من نارها وإن فعلها فعليه تحمل نتائجها وعواقبها من ردة فعل صاحب الأركيلة ، وحدث ذلك أمامي ذات يوم في أحد الأسوق وأنا أمر من أمام أحد المقاهي ، إذ إقترب أحد الفتيان وفي فمه سيكارة غير متـّقدة من أحد مدخني الأركيلة وهو يجلس في تلك المقهى وما أن لامست سيكارة هذا الفتى جمرة تلك الأركيلة حتى جاءته رفسة من صاحبها وهمّ يضربه وينعته بشتى الشتائم والسباب فولّى هارباً يجر خطاه منهزماً ونادما على ما إقترف من ذنب كبير كاد أن يؤدي بحياته فيما إذا بقي في مكانه غير منهزم ٍ بل كان له الهروب منفذا لسلامته ، ولو إنتقلنا إلى طريقة تقديم القهوة بالفنجان ، فعلى الساقي أن يحمل الدلة بشماله ليصب القهوة في الفنجان المحمول بيده اليمنى ، وعلى شارب القهوة أن يتسلمها بيده اليمنى وإذا مارفض أحدهم من تسلم ذلك الفنجان لسبب أو لآخر قد يكون لمانع طبي أو لم يكن من محبيها فلايجوز إعطائة لشخص آخر قد يكون جالسا بقربه بل عليه إعادة القهوة إلى الدلة ومن ثم ملأ الفنجان بصورة مباشرة من الدلة مرة أخرى ، ومن العادات والتقاليد الأخرى هو رش الماء خلف المسافر لحظة خروجه من البيت ، فإذا مانوى أحدهم في السفر فهناك أحد الطقوس التي يمارسها أهالينا هي الأخرى في غاية العجب ، فترى الأم أو الزوجة أو الأخت قد تهيأت وأعدت العدة لذات الغرض ، فها هي قد هيأت معجانة ماء وتراها واقفة منتظرة اللحظة الحاسمة لإبنها أو لزوجها أو لأخيها أو لأي فرد من أفراد العائلة وهو يغادر البيت في مهمة سفر حتى لو كانت لبضعة أيام لترش الماء خلفه آملة في عودته غانما سالما وكأن هذا العمل فيه من بركات الله الشيء الكثير وبدونه سوف لن يعد إلا وقد اعتصر هما وغما ؛ ولو استرسلنا في البحث عن العادات والتقاليد الأخرى لوجدناها كثيرة ومن الصعب تحديدها أو فهرستها في كتابة موضوع من عدة كلمات بل يتحتم علينا إن أردنا ذلك ؛ التقصي عنها والتعمق في البحث عنها ، وهنا يصبح التساؤل مشروعا وفي محله ، متى دخلت السيكارة والقهوة والشاي والأركيلة لمجتمعاتنا ؟ وكيف تولدت تلك العادات والتقاليد ؟ وهل اذا حـِدنا عنها ستتضرر مجتمعاتنا ؟ وما هو شكل وحجم ذلك الضرر المتولد كنتيجة متوقعة ، وتحصيل حاصل إذا ما تركناها وابتعدنا عن فعلها وعدم المسير في ركابها ؟ وأنا شخصيا كان عملي منصبا في السفر بشكل دائم فلم أر هناك من يرش الماء خلفي لحظة خروجي من البيت ، ولكن عدت سالما غانما بفضل الله ورعايته ، لأن عزيمتي كانت قد وضعت نصب عينيها إرادة الله وجعلتها فوق كل اعتبار ، وهذه العادات والتقاليد لاتنحسر في مجمعنا الشرقي فحسب ، بل تتعداه إلى شعوب أفريقيا وأوروبا وكذلك تجدها متجذرة في مجتمعات أخرى ، ومن خلال تجربتي عندما كنت في يوغسلافيا ( كرواتيا ) رأيت هناك ما ينصب تحت عنوان العادات والتقاليد الشيء الكثير ، سأسرد بعضا منها ، فإذا جلس شخصان أو مجموعة أشخاص في مقهى وأرادوا أن يحتسوا الخمر ، فعليهم رفع الكؤوس إلى الأعلى وضرب تلك الكؤوس ببعضها مع ذكر كلمة ( جيڤلي ) وهنا يجب أن تتلاقى نظرات عيونهم مع نظر ناطق تلك الكلمة ، وكأن تلك النظرات تعمل على إطالة أعمارهم أو على شاكلتها ، وحدث أن قمنا بدعوة عشاء تكريما لمعلمينا في نهاية الدورة ، فإذا بهم وبصورة متناوبة أخذوا بإلقاء وكسر الأقداح على أرضية المطعم ، مما كلفنا من دفع كثير من المبالغ تعويضا عنها لأنها وبكل بساطة كانت من النوع الغالي الثمن ( كريستال ) ولم نجد تبريرا لذلك سوى أنها من عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم أن يفعلوها في مثل هذه الحالات ولكن ماذنبنا ونحن ندفع غرامات عاداتهم وتقاليدهم ؟ ولكن علينا تحمل نتائج ما عملوا .

ســــــــــعدعبدالوهاب طه