البطالة والفقر وتأثيرهما على الفرد والمجتمع

لا شك أن البطالة اليوم أصبحت تمثل معلما بارزا وقضية شائكة من القضايا الابرز للمجتمعات البشرية، لا سيما المعاصرة التي تعاني منها – أي البطالة – معاناة كبيرة، فالبطالة ظاهرة اجتماعية مرتبطة بمؤشرات البلاد الاقتصادية، وهي تعبر عن عجز الفرد عن الحصول على فرصة للعمل تمكنه من المشاركة في الاقتصاد بشكل فعال، وغالبا ما تكون فرص عدم مشاركة الشخص والحصول على العمل خارجة عن إرادته الشخصية، فقد يمتلك السن المناسب للعمل، وله مقومات ومواصفات تؤهله للعمل، لكنه – وبالرغم من امتلاكه لهذه المواصفات- لايزال عاجزا عن الحصول على فرصة عمل .
وتنعكس آثار البطالة اقتصاديا وصحياً ونفسياً واجتماعيا على كيان الفرد، فمن الناحية الاقتصادية يصبح عاجزا عن توفير دخله اليومي وعن تلبية احتياجاته الضرورية، ومن الناحية الصحية يفقد توازنه الحركي لإفراطه في التفكير؛ مما ينعكس على انتشار الامراض الجسدية والتي تؤدي الى موت الطاقات في الانسان مع الوقت؛ مما يجعله يتكاسل عندما يحصل على عمل فيما بعد، أما من الناحية النفسية فإنه يعيش في فراغ يؤدي به الى عقد نفسية تفتك به وتؤثر على معنوياته، وأما من الناحية الاجتماعية فإن البطالة تولد الطبقية والتفاوت الاجتماعي والافتقار الى العدالة مما يؤثر تأثيرا واضحا في بروز الاثر النفسي الذي ينتج النقمة الاجتماعية على افراد المجتمع الذي يعيش فيه مما يدفع الى الادمان وارتكاب الجرائم .
ان اكثر علماء الاجتماع يعتبرون عاملي البطالة والفقر سببين رئيسيين في زيادة العنف الاجتماعي بمختلف اشكاله وطرقه، اما بسبب عوامل داخلية تتعلق بإجراءات العمل والتوظيف ، او سوء توافق بين مخرجات التعليم وسوق العمل، او نتيجة لضغوط خارجية تتعلق بمنظومة الاقتصاد الدولي، فإذا كانت الدورة الاقتصادية في حالة نشاط سوف ينعكس على الاقتصاد المحلي من حيث نهوضه وتنوعه، ويؤدي الى توفر فرص عمل متنوعة، بالتالي فإن للدورة الاقتصادية دور اساسي في تشكيل اقتصاد المجتمعات المعاصرة ونشاط سوق العمل فيها.
إن البطالة تظهر وتزداد نسبتها بشكل واضح نتيجة الركود الاقتصادي العام، بَيدَ أن نسب البطالة تختلف من مجتمع الى آخر، كما أن كيفية التعامل مع العاطلين عن العمل اخذت اساليب مختلفة، تتراوح بين التجاهل التام وبين الدعم الكلي او الجزئي لمشكلة البطالة .
ومن مظاهر البطالة: الفقر الذي اخذ ينتشر بسبب عدم تكافؤ فرص العمل، مما يؤدي الى التفرقة بين الناس في الحقوق ويولد الطبقية؛ إذ يعتبر الفقر نتيجة من نتائج العنصرية الجغرافية والسياسية والايدلوجية، فهو مرض خبيث يفتك ويضرب النفوس والابدان والقيم ويحل الخراب في كل مكان، وإذا ألقينا على بلدنا العراق كنموذج تتنامى فية البطالة، فإن كل التقديرات والتحليلات التي وضعها الخبراء تشير الى أن الفقر لا يزال منتشرا، رغم ما يتمتع به عراقنا من خيرات من شماله الى جنوبه ، ومن شرقه الى غربه .
إن ظاهرة البطالة تمتلك تأثيرا سلبيا ظاهراً وواضحا على الافراد الذين يعانون منها، حيث ينتمي الى هذه الفئة كل شخص يكون له القدرة على العمل لكنه – وبالرغم من ذلك – عاجز على ان يجد وظيفة مناسبة له في سوق العمل؛ لذلك فإن الحل الامثل أمامه يكمن في أن يضطر الى توجيه القدرة التي يمتلكها والقابليات الموجودة لديه للقيام بأعمال اخرى غير مناسبة له ، وبالتالي سيشكل له هذا الفعل متاعبا وعقدا نفسية عديدة، ويكون السبب وراء التوجيه السلبي لطاقات الانسان هو الحصول على دخل مادي ثابت حتى لو كان بطريق غير مناسب، وهذا التوجيه بدوره سيؤثر على الفرد ذهنيا ونفسيا وصحيا واجتماعيا .
إن الحقيقة التي لا مناص منها هي أن البطالة تؤثر على المجتمع كما تؤثر على الفرد نفسه وعلى الاسرة التي يعيلها، فهي تنعكس على المجتمع من خلال انتشار معدل الجرائم، وتؤدي ايضا الى التفكك الاسري وانتشار الاعمال المحرمة والخطيرة مثل تجارة المخدرات او تجارة الأسلحة والسرقات والسطو المسلح وغيرها .
وهناك العديد من الحلول التي يمكن اللجوء اليها منها:
1- تنشيط القطاع الخاص من خلال تسهيل عمل مشاريع صغيرة ومتوسطة للشباب كي نستطيع حثهم على الاقبال على العمل لتوفر لهم تلك المشاريع دخلا ماديا مناسبا.
2- تطبيق مبدأ المساواة بين الناس في توزيع الدخل ودعم القطاع الصناعي في البلد لاستقطاب الكثير من الطاقات الشبابية العاطلة ، فاذا اردنا مجتمعا سليما ومعافى من الانحلال والتفسخ والضياع والانتقام ومعافى من العقد النفسية وسالما من الامراض الجسدية وبعيدا عن طرق الانحراف، علينا ان نجد لأفراده فرصة عمل ووسائل رزق واسواق عمل لإظهار الطاقات وليكون منشغلا بها وليس منشغلا عنها، كذلك ليكون فاعلا في المجتمع باذلا جهدا فيه، بدلا من ان ينتظر من يعطيه المعونة عند الحاجة .
وبالتالي فإن النتيجة التي نريد ان نخلص لها هي أن الله عز وجل لم يخلقنا لننتظر عطاء الآخرين وإنما التوكل عليه والضرب في الأرض من أجل العمل وتحصيل لقمة العيش، قال تعالى: (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، كما أن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله ) حثنا على أن نكون اليد العليا المنتجة والمثل الأعلى للعطاء وليست اليد السفلى المتقاعسة التي تؤدي بالفرد الى الافتقار والاعتماد على المسألة والعطاء من الآخرين .

الباحثة: الاء حسن هادي