آخر الأخبار
الرئيسية

نحو دولة المواطنة والعدالة: دعوة إلى تصحيح المسار الوطني

24..متابعة

في لحظة فارقة من تاريخ العراق، تتزايد التساؤلات، ويتعمّق القلق الشعبي إزاء المسار الذي تسلكه بعض القيادات السياسية، ممن جعلوا من السلطة مطية لمآربهم، ومن الكراسي وسيلة للهيمنة، لا وسيلة لخدمة الوطن والمواطن. إن ما نلمسه من سلوكيات إقصائية وانتهاكات متكررة لأبسط مبادئ الشرعية الدستورية، لا يمثل سوى تجسيد صارخ لمنظومة حكم فقدت البوصلة الأخلاقية والقانونية.

فبدلًا من أن تكون المسؤولية تكليفًا لخدمة الصالح العام، أصبحت فرصة للبعض لاستغلال النفوذ، وتعزيز شبكات المصالح الضيقة، وزرع الفتن والانقسامات، وتكريس ثقافة الفساد والتفرقة، في وقتٍ تتعطّش فيه البلاد لنهضة حقيقية ترتكز على العدالة، وتستند إلى سياسات تنموية شاملة تُعلي من شأن المواطن وكرامته.

لقد آن الأوان للتذكير بأن العراق لم يبلغ هذه المرحلة من التعقيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي دون ثمن. فكم من التضحيات الجسيمة بذلها أبناؤه، وكم من الأرواح الزكية أُزهقت في سبيل نيل الحرية وإرساء قواعد الدولة المدنية! ومع ذلك، لا تزال هناك إرادات مريضة تحاول جرّ البلاد نحو صراعات عبثية، وتغذية النعرات الطائفية والقومية والمناطقية، غير آبهة بمآلات ذلك على النسيج الوطني، ولا بالعواقب الدستورية أو القانونية أو الأخلاقية.

أما الخلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان، فإنها – في جوهرها – ليست سوى تراكمات لسياسات مغلوطة ونيات غير صافية. فمن جهة، تقف المجتمعات المحلية على امتداد العراق موحَّدة في عاطفتها، متجذّرة في عمقها الاجتماعي، تتبادل المحبة والاحترام من البصرة إلى أربيل، ومن نينوى إلى ذي قار، ومن بغداد إلى الأنبار. ومن جهة أخرى، تُصرّ بعض النخب السياسية على افتعال الأزمات وصناعة العداوات، خدمة لمصالحها الخاصة.

إن المرحلة الراهنة تستدعي من الجميع وقفة وطنية مسؤولة، ترتقي إلى مستوى التحديات وتفتح أفقًا جديدًا من الإصلاح الجذري، عبر:
1. إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس النزاهة والكفاءة، وتفعيل مبدأ المساءلة الشاملة لكل من يسيء استخدام السلطة.
2. تشريع قانون النفط والغاز، بما يضمن العدالة في توزيع الثروات الوطنية وفقًا للدستور.
3. تفعيل المجلس الاتحادي كضمانة لتكريس مبدأ التوازن بين المركز والأقاليم.
4. تبني قانون (من أين لك هذا)، كخطوة ضرورية لاستعادة المال العام ومواجهة تغوّل الفساد.
5. إصلاح المنظومة القضائية بشكل يعيد لها هيبتها ويضمن استقلالها وفاعليتها.

إن بناء دولة المواطنة الحقة لم يعد ترفًا، بل أصبح ضرورة وطنية وأخلاقية ملحّة. نحن بحاجة إلى دولة تحترم القانون، وتنبذ العنف، وتؤمن بالتعددية، وتُعلي من شأن الإنسان العراقي، بغضّ النظر عن هويته الفرعية أو انتمائه السياسي.

ختامًا، لا مستقبل لوطن يدار بعقلية الاستحواذ والتهميش، ولا نهوض لأمة تستنزف طاقاتها في صراعات داخلية بدلًا من توظيفها في البناء والإعمار. إن ساعة التغيير الحقيقي قد حانت، والتاريخ لا يرحم المتقاعسين عن مسؤولياتهم.
فلنفتح معًا صفحة جديدة عنوانها: العراق أولًا… والإنسان العراقي فوق كل الاعتبارات.

د. سيروان عبدالله أسماعيل
النائب و الامين العام السابق في مجلس النواب العراقي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى