آخر الأخبار
ألمقالات

التأثير السياسي للحروب في الشرق الأوسط على الاقتصاد العراقي: أزمة مزمنة تبحث عن حلول

 

(كمال الحجامي)
تعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم، حيث لم تهدأ الحروب والصراعات فيها لعقود. وبالنسبة للعراق، الذي يقع في قلب هذه المنطقة، فإن تأثير النزاعات لم يكن مجرد تأثير عابر، بل أصبح جزءًا من المشهد الاقتصادي والسياسي للبلاد. فمنذ حرب الخليج الأولى مرورًا بالغزو الأمريكي عام 2003، وصولًا إلى الحرب ضد تنظيم داعش والصراعات الإقليمية المحيطة، تعرض الاقتصاد العراقي لضربات متتالية جعلته في حالة من التراجع وعدم الاستقرار.

النفط في قلب الأزمة: كيف أثرت الحروب على المورد الأهم للعراق؟

يعتمد العراق بشكل شبه كلي على صادرات النفط لتمويل ميزانيته، حيث تشكل العائدات النفطية أكثر من 90% من الإيرادات الحكومية. ومع ذلك، فإن الحروب المتتالية في المنطقة جعلت هذا القطاع في مرمى النيران.

فخلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تعرضت البنية التحتية النفطية لضربات قاسية، مما أدى إلى تراجع الإنتاج وانخفاض العائدات. وبعد سنوات من التعافي الجزئي، جاء تنظيم داعش ليحتل أجزاء واسعة من البلاد بين عامي 2014 و2017، حيث سيطر على عدد من الحقول النفطية واستخدم العائدات لتمويل عملياته العسكرية. وفي الوقت الذي استعادت فيه الحكومة العراقية السيطرة، كانت المنشآت النفطية قد تعرضت لدمار هائل، مما تطلب استثمارات ضخمة لإعادتها إلى العمل بكامل طاقتها.

ولم تكن هذه الأزمات كافية، إذ تسببت التوترات بين إيران والولايات المتحدة، التي تصاعدت بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في بغداد عام 2020، في مخاوف من اندلاع حرب إقليمية جديدة. ومع كل توتر في المنطقة، تهبط أسعار النفط أو تتعرض الصادرات العراقية لضغوط نتيجة للأوضاع الأمنية غير المستقرة.

الاستثمار الأجنبي: بيئة غير مستقرة تهرب منها الشركات العالمية

العراق، الذي كان يومًا ما مقصدًا للاستثمارات الأجنبية في قطاعات النفط، والبنية التحتية، والإعمار، أصبح اليوم بيئة طاردة للاستثمار بسبب عدم الاستقرار السياسي والأمني. فمنذ عام 2003، ومع تزايد النفوذ الإقليمي في البلاد، أصبحت القرارات الاقتصادية مرهونة بالتجاذبات السياسية.

ويرى المحلل الاقتصادي علي الربيعي أن “عدم وضوح الرؤية السياسية والفساد المنتشر يجعل المستثمرين الأجانب يترددون في الدخول إلى السوق العراقية، حتى في القطاعات الواعدة مثل الطاقة والتكنولوجيا”. ويضيف في حديثه لـ*“التقرير الخاص”* أن “الأحداث الإقليمية، مثل الصراع السعودي-الإيراني، والتوترات بين إيران والولايات المتحدة، والصراع في سوريا، كلها تؤثر بشكل غير مباشر على بيئة الأعمال في العراق”.

وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة العراقية جذب الشركات الأجنبية من خلال تقديم تسهيلات استثمارية، فإن التحدي الأكبر يكمن في توفير بيئة آمنة ومستقرة، وهو ما يزال بعيد المنال في ظل الوضع السياسي الحالي.

التجارة الإقليمية: العراق بين فكي العقوبات والصراعات

باعتباره دولة تقع في قلب الشرق الأوسط، يرتبط العراق بعلاقات تجارية مع العديد من دول الجوار، لكن هذه العلاقات تتأثر بشدة بالأزمات الإقليمية.

على سبيل المثال، أدى الصراع السوري إلى إغلاق بعض الطرق التجارية المهمة بين العراق وسوريا، مما تسبب في تعطيل جزء من التجارة البرية. كما أن العقوبات الأمريكية على إيران، التي تعد واحدة من أكبر شركاء العراق التجاريين، وضعت بغداد في موقف حرج بين الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع طهران وبين الامتثال للضغوط الأمريكية.

وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي محمد الأنصاري إن “العراق يواجه تحديًا معقدًا يتمثل في ضرورة تحقيق التوازن بين القوى الإقليمية والدولية، حيث لا يمكنه الاستغناء عن التجارة مع إيران، وفي الوقت ذاته لا يستطيع تحدي العقوبات الأمريكية دون أن يواجه عواقب اقتصادية وسياسية خطيرة”.

الميزانية العراقية: عجز متزايد وإنفاق عسكري متضخم

إحدى أبرز تبعات الحروب المتواصلة في المنطقة هي التأثير المباشر على ميزانية الدولة العراقية. فمع كل أزمة أمنية أو عسكرية، تجد الحكومة نفسها مجبرة على زيادة الإنفاق العسكري والأمني، مما يؤثر على باقي القطاعات الحيوية.

ففي عام 2014، عندما اجتاح تنظيم داعش مساحات واسعة من العراق، اضطرت الحكومة إلى تخصيص جزء كبير من ميزانيتها لمواجهة التنظيم، مما أدى إلى تراجع الإنفاق على التعليم، والصحة، والبنية التحتية. واليوم، ورغم انتهاء المعارك مع داعش، لا يزال العراق يعاني من تبعات الإنفاق العسكري الكبير، حيث تستمر الحاجة إلى تمويل إعادة الإعمار في المدن المدمرة، إلى جانب الحفاظ على جاهزية القوات الأمنية لمواجهة أي تهديدات مستقبلية.

مستقبل الاقتصاد العراقي: هل هناك حلول؟

في ظل استمرار التوترات الإقليمية وعدم استقرار الأوضاع السياسية داخل العراق، يظل تحقيق الانتعاش الاقتصادي تحديًا معقدًا. ومع ذلك، هناك بعض الخطوات التي يمكن أن تساعد في تخفيف وطأة الأزمات الاقتصادية، ومن بينها:
• تنويع الاقتصاد: يجب على العراق تقليل اعتماده على النفط من خلال تطوير قطاعات أخرى مثل الصناعة والزراعة والسياحة.
• تعزيز الاستقرار السياسي: لا يمكن تحقيق نمو اقتصادي مستدام دون استقرار سياسي داخلي يطمئن المستثمرين ويشجع على التنمية.
• تقوية العلاقات الاقتصادية مع الدول المستقرة: يمكن للعراق تعزيز تعاونه مع دول مثل تركيا ودول الخليج العربي لجذب الاستثمارات وتنويع مصادر الدخل.
• مكافحة الفساد: يعد الفساد أحد أكبر العوائق أمام التنمية الاقتصادية، ويجب أن تكون هناك إصلاحات جدية لمكافحته وضمان توجيه الأموال إلى مشاريع تنموية حقيقية.

ختامًا

لا شك أن الحروب والصراعات في الشرق الأوسط كانت لها تأثيرات كارثية على الاقتصاد العراقي، لكنها ليست السبب الوحيد في الأزمة الاقتصادية. فالعراق بحاجة إلى إصلاحات جوهرية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، حتى يتمكن من تجاوز هذه الأزمات وبناء اقتصاد مستدام بعيدًا عن التقلبات الإقليمية والدولية. فهل تستطيع الحكومة العراقية تحقيق هذا الهدف وسط هذا الواقع المعقد؟ هذا هو السؤال الذي ستجيب عنه السنوات القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى