من أوراق صباح نوري السعيد في الصحافة البريطانية
من أوراق صباح نوري السعيد في الصحافة البريطانية
فراس الغضبان الحمداني
شاءتْ الاقدار أن يكون لنوري باشا السعيد من الذرية ولد أسمه (صباح) الذي قتل في الأيام الأولى لثورة 14 تموز عام 1958 قبالة باب دار الاذاعة العراقية في الصالحية بعد مشاجرة بينه وبين الحرس الذين منعوه من دخول المبنى عندما طالبهم بجثة والده الذي قتل هو الآخر في اليوم الثاني للثورة (يوم 15 تموز 1958) .
وصباح متزوج من السيدة عصمت السعيد التي عاشت خارج العراق بعد مقتل زوجها . وله ولدان (فلاح وعصام) أما حياته المليئة بالأحداث والوقائع والمفاجات فكانت هماً كبيراً من بين هموم الباشا السياسية الكثيرة . كان نوري السعيد قد حكم العراق ما يقرب الـ(40) عاماً بين رئيس للوزراء ووزيراً للخارجية ووزيراً للدفاع ، فضلاً عن كونه ضابطاً يحمل رتبة عسكرية كبيرة .
وكان الباشا متعلقاً بولده الوحيد ، تعلقاً شديداً . ويحبه حباً جماً، لكنه وعلى الرغم من ذلك التعلق الأبوي لم يسمح له يوماً قط بأن يقوم بأي عمل يسيء ويخالف القانون المعمول به في البلاد ، ولن يتهاون معه مرة واحدة في الأمور والقضايا المخلة بالنظام وسمعة الحكومة وهيبة الدولة !
فقد تخرج (صباح السعيد) من جامعة كمبردج في بريطانيا مهندساً طياراً ثم إلتحق بقيادة القوة الجوية العراقية كضابط طيار حتى وصل رتبة عقيد .
كان شاباً طموحاً ومغامراً إلى حد المجازفة والتهور في بعض الأحيان وغالباً ما كان يقوم بالحركات البهلوانية عند قيامه بالطيران ، فهو يحسن الالعاب الرياضية والحركات الصعبة في أعالي الجو ، وهو الأمر الذي أدى إلى سقوط طائرته في إحدى المرات من العام 1935 وقد نجا وقتذاك بأعجوبة بعد علاجه لمدة غير قصيرة في مستشفيات لندن .
وعلى الرغم من هذه التجربة القاسية التي كادت أن تؤدي بحياته فقد دفعته روح المغامرة والمجازفة بعد سنوات من شفائه إلى القيام بلعبة بهلوانية خطيرة وفريدة من نوعها ، إذ قرر ذات يوم أن يعبر بطائرته من تحت أحد أقواس جسر الأحرار في الصالحية وعلى نهر دجلة .
وقبل قيامه بالمجازفة الخطيرة جداً اخبر صباح عدداً من أصدقائه وزملائه المقربين بتلك المهمة التي حدد لها فجر اليوم التالي موعداً ليحضروها ! وفعلاً فقد قام (صباح) بتنفيذ هذه اللعبة البلهلوانية على الرغم من صعوبة تنفيذها ونجاحها ، إلا أنه وبمهارته الفائقة في الطيران أستطاع أن يجتاز أحد أقواس دعائم الجسر وينطلق بسرعة فائقة بالإتجاه الثاني من النهر تاركاً الجسر خلفه بعد لحظات ! ومن حسن الصدف إن المصور المعروف (ارشاك) كان متواجداً ساعة قيام (صباح ) بمغامرته المتهورة في صبيحة ذلك اليوم البغدادي الهادئ وإستطاع (ارشاك) أن يصور (الحركة البهلوانية) بكاملها وبلقطات عدة بعدها أنتشر الخبر في أنحاء العاصمة بغداد .
وكانت السيدة (صبيحة العسكري) والدة صباح أكثر الناس خوفاً وقلقاً وإنزعاجاً وألماً من هذا التصرف اللامسؤول فهي لا تزال تلعق ذكريات جرحها الأول في الحادث المرير السابق الذي كاد أن يقضي على وحيدها قبل سنوات خلت ! أما موقف (الباشا) فكان مختلفاً تماماً عن موقف الوالدة ، اذ كان الهدوء سيد الموقف بين الولد وأبيه ، ومن دون هياج وعصبية سأله الباشا بعد لقائه به في منزلهما المطل على نهر دجلة بكرادة مريم : لماذا قمت بهذه المجازفة الرهيبة يا صباح ألم تفكر بنا وكلنا نحبك حبا جما ياولدي .. ولم يجب صباح على عتاب والده ولكنه بكى بحرقة بعدما رأى دموع والده تسقط رويدا رويدا .
Firashamdani57@yahoo.com