العراق …تضخم سياسي وضمور فكري

العراق …تضخم سياسي وضمور فكري

تُعرف السياسة ببساطة على أنها طريقة ادارة الدولة, وفي العراق يغيب هذا المصطلح تماما عن الواقع العراقي بكل تفاصيله وعمومياته.
كان كل هم المعارضة العراقية قبل 2003 هي اسقاط نظام صدام دون التفكير في رؤية سياسية لإدارة البلد, وبالفعل حصل ذلك وتسلمت المعارضة سابقا واحزاب السلطة حاليا زمام الحكم بالبلد وبدل أن ينعم العراقي بأجواء التخلص من الدكتاتورية والحكم الشمولي, اضيف له عبئ اكبر ألا وهو الفساد والسرقة واهدار المال العام, بل تعدى الأمر لفقدان العراق سيادته الوطنية حتى صارت دول الجوار ومعهم امريكا يتقاسمون النفوذ فيه, ولكل دولة من تلك الدول ادواتها في الداخل لتنفيذ اجنداتها وبكل التخصصات والمستويات, سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بل وحتى جغرافيا واتفاقية خور عبد الله المجحفة خير مثال واكبر دليل على التهاون بمصير الشعب الاقتصادي والاجيال القادمة.
لم تضف الاحزاب التي جاءت رجالاتها من خارج العراق والبعض منهم من أوربا و امريكا, وكان من المفترض أن تضيف تلك الشخصيات بعدا فكريا وحضاريا كونها آتية من بلدان معروفة برسم علم السياسة قديمها وحديثها, لكن للأسف صار العراق يخسر يوميا من قيمته العالمية والانسانية لدرجة صار يتربع عرش التصنيفات السيئة لدول العالم ويتذيل كل التصنيفات الايجابية والحضارية , بل وتعدى الامر لعدم ذكره في بعض التصنيفات والتقييمات مثل جودة الدراسة في العالم ولمدة اربع اعوام على التوالي. اضافة الى تراجع العراق صناعيا وزراعيا, بل وصل الامر لثلة من الارهابيين أن يحتلوا على ما يفوق ثلث العراق ويعلونوا دولة الارهاب والقتل والترويع والوحشية.

واليوم وبعد احتجاجات تشرين نواجه نفس الخطأ بما ينذر بنفس الخطر بل واكبر فغياب الفكر السياسي الذي من المفترض أن تنبثق منه رؤية ومشروع سياسي صرنا نجد أن التنظيمات التشرينية قد اصيبت بنفس فايروس احزاب السلطة من تعدد الاحزاب والحركات بل تزايدت أعدادها خلال فترة قصيرة جدا نسبيا في عمر الدول, فقد تجاوزت تلك التنظيمات الثلاثين تنظيما بين مسجل أو مرفوض أو في طريقه للتسجيل. ولو سألت اي منها عن فكره الذي يتبناه ويناضل من اجله لوجدته خاوي إلا من حلم أن يكون في موقع سلطة, ولو سألته في رؤيته عن الطريقة التي سيدير بها الدولة في حالة فوزه بالانتخابات لأصابته صاعقة من السماء وسكت.
وكما معظم احزاب السلطة تتعكز على شهداء نضالها السابق قبل(2003) فقط ولم تنجح في ايجاد فكر سياسي حقيقي يقدم آلية رصينة ومحترمة, بل بالعكس تحولت تلك الاحزاب تدريجيا لمشكلة تعاظمت وتضخمت حتى تحولت لمعضلة كبيرة تهدد النظام السياسي الحالي وبقائه, صار التشرينيون يتعكزون على الشهداء الابطال اللذين سقطوا خلال تلك الاحتجاجات متخذين منهم وسيلة لتلميع صورهم الغير معروفة للشارع السياسي والشعبي, ولو سئلوا الشهداء عمن يمثلهم, أنا على يقين لتكون كل هذه الاسماء الموجودة حاليا ضمن المختارة من قبل الشهداء.
منذ ما يقارب السنتين ولدت تشرين … وكانت ردت فعل غاضبة على اهانة حملة الشهادات العليا ومعاملتهم بطريقة اقل ما يقال عنها أنها همجية وغير اخلاقية تماما, فكانت انتقالة واضحة بمستوى الوعي الجماهيري بضرورة ايقاف سيل الهدر والسرقات والتلاعب في مقدرات البلد, ليلتف حول ذلك التسونامي كل العراق وبمختلف شرائحه دون تميز فقد خرج الشاب والكهل الرجل والمرأة بل وحتى كان للاطفال دور كبير وفاعل فيها من خلال تلك الصور البشعة التي اظهرت حجم القسوة التي تعاملت بها قوى الحكومة مع الشعب.
ومنذ حوالي السنة وقبل الانتخابات المزمع اجرائها في العاشر من تشرين أول القادم بدأت تتوالد احزاب تنتسب لتشرين اسما لدرجة أن بعضها اختار مفردة (تشرين) أو (اكتوبر) كجزء من الاسم لتلك الحركات أو التجمعات. متناسين أن تشرين ليست فكر سياسي وانما هي حالة وعي جماهيري وليست كيان سياسي حتى يتعامل معه البعض على أنه ارث له أو لغيره,
بدء التنافس فيما بين الشباب للفوز والاستحواذ على الجماهير التشرينية والتي هي اكثر من نصف الشعب العراقي, متناسين أن تلك الجماهير ليست سوى تعاطف وقتي سينقلب بالضد فور أول اخفاق يحدث من قبل تلك الحركات الجديدة.

سأكرر كما كررت سابقا ألف مرة سواء في الندوات او المقالات مشكلتنا فكرية لا حزبية, والانتخابات القادمة وبغض النظر من سيفوز بها ومن أي معسكر وبأي نسبة, فأن اثارها ستكون كارثية على الشعب العراقي, وستحقق الاحزاب الحالية هدفا نظيفا في حال فوزها في الانتخابات بينما ستحقق خمسة اهداف في حال فوز تشرين مع استبعاد هذا الاحتمال, كونها ستقول ما قاله رجال النظام السابق وما يروجون له دائما.
(لو باقين على قبل مو أحسن)

ضرغام علاوي
25/5/2021