الصَّدمَةُ…أم..النَّقمَةُ
*الصَّدمَةُ…أم..النَّقمَةُ*
أ.د. ضياء واجد المهندس
بعد الحرب الأهلية الكورية في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، قامت وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية CIA بدعمِ برنامج (الصدمة)، و قد تولَّى الإشرافَ عليه الطبيب النفسي الكندي (دونالد كاميرون)، الذي وضع خارطة طريقة على تدمير العقل البشري عبر حذف الماضي، بأسلوبٍ صادمٍ مُمهَّدٍ إلى قَبولِ واقعٍ إفتراضيٍّ، تفرضه عليه ليتعايش معه و يعيش فيه..
قام د. كاميرون بتعريض مرضاه النفسيِّين إلى صدمات كهربائية شديدة مع تناولهم حبوب الهلوسة، ثم يوضعون في محاجرَ إنفراديةٍ ظلماءَ لإفقادهم الإحساس و التحسُّس و الحواس، بأسلوبٍ جعل من المرضى كفئران تجارب بأساليبَ غير أخلاقية..
لقد قدَّمت التجاربُ في هذا البرنامج إستنتاجًا خطيرًا، و هو أنَّ سلب الوعي البشري، و تدمير الإرادة، و إفقاد الإنسان فرصةً لحلِّ مشكلاته يوقعه في صدمة، يتقبَّلُ من خلالها الإنسان أيَّ حلول خارجية، بقطع النظر عن أخلاقية و مشروعية و نفعيَّة الحلِّ…
في ذات السياق كانت المخابرات السوفياتية KGP تدعم برنامج (التدمير الذاتي)، و هو برنامج في الأصل ألماني، حيث كان الألمان في بداية الثلاثينيات قد أرسَو دعائمَ (الحرب الخاطفة) ، و التي طبَّقوها على الحرب الأهلية الإسبانية من ١٩٣٦ الى ١٩٣٨، و التي كانت دائرة بين قوات (فرانكو) و القِوى الشيوعية و الديمقراطية.
لقد حقَّقَ الألمانُ إجتياحاتٍ سريعةً و قياسيةً في اجتياح أوربا بالإعتماد على أسلوبهم في الحرب الخاطفة و الحرب الدعائية (الاعلامية)، الذي تكفَّل بها وزير الدعاية (غوبلز)، الذي هو راعي برنامج (الطابور الخامس) و الذي يمثِّل مجموعة الوكلاء و العملاء المحليين في الدولة التي تدعم حكم النازيين، و كان هتلر يحسبه الجيش الخامس لألمانيا..
و تتركَّز فكرة (التدمير الذاتي)، على السعي لتوفير أجواء تهديم المجتمع بنفسه، بأسلوبٍ مُقارِبٍ لاستسلام المجتمع، و هذا يتحقَّق عبر هدم ركائز:
١- الدِّين
٢-العُرف
٣- العائلة
٤-المجتمع المدني
٥- الدولة
٦- التعليم
٧-الأخلاق و السلوك و التصرُّف الحضاري.
مثلًا، ليس المّهِمُّ أن تُحاربَ الدِّينَ، بل أن تُخرِجَ الدِّينَ من محتواه العقائدي إلى طُرُقٍ شعائريةٍ و طقوسٍ، تُمثِّلُ الخلافات فيها جُلَّ الإهتمامِ…
أما الإخلال بالعُرف فإنه يتمُّ من خلال توطيد الأعراف العشائرية، و تنمية شريحة من شيوخ الإبتزاز، و طُفيليِّ المشاجرات و العداوات، و جَعلِهم مجموعة إضعافٍ للدولة و القانون..
إنَّ تدميرَ أواصرَ العلاقة بين الآباء و الأبناء، وجَعل جيل الأبناء متمردًا و مخالفًا للآباء، و فقدان الإحترام و الإحسان و المعروف سيدفع إلى فقدان اللبنة الأولى للمجتمع..
لقد جرَّبَ الأمريكان الصدمةَ على دولة تشيلي في أمريكا اللاتينة إبانَ حُكم الشيوعيين بزعامة سلفادور الليندي، و الذي أُطيحَ به من قِبَلِ العسكر و بدعمٍ أمريكيٍّ صريحٍ في زمن الرئيس نيكسون أدَّت إلى مَقتل الرئيس الليندي، و استلام الجنرال (بينوشيت) رئاسةَ حكومةِ الطوارىء، الذي تميَّز سنين حكمه بالإنهيار الإقتصادي، و تفاقُم الفساد و الجريمة و غياب و اختفاء المعارضين، و ارتفاع معدلات التضخم و الخطف و البطالة،و تردِّي القطاعات الصناعية و الزراعية و الإسكان..
كانت نتيجة الصدمة في تشيلي إستلام الشركات الأمريكية العابرة للقارات لقطاعات الدولة و تحويلها إلى الكارتل الرأسمالي بعد أن كانت تشيلي بلدًا إشتراكيًّا…
أما في العراق، فقد بدأها الأمريكان بسرقة ممتلكات العراق و آثاره.
نشرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخَّرًا تقريرًا مدعومًا بالصور عن الثروات التي لا تُقدَّر بثمن، إستحوذَ عليها الجيش الأمريكي أثناء دخوله قصور صدام و حاشيته و الوزراء في عهده، و ذلك بناءً على صور أخَذَها الجنودُ الأمريكان بوقتها من الأموال و الذهب غير المُمَوَّه و الذهب المُمَوَّه، الذي وُجِدَ في حُفَرٍ خاصةٍ داخل حدائق القصور، و المساجد القريبة، و في مناطقَ عديدةٍ من العراق.
و قد أعطت الصحيفة أرقامًا خياليةً غير المعلن عنها من وزارة الخزانة الأمريكية، حيث أنها أي الوزارة لم تُعطِ أموالَ الأسلحةِ و الأثاث المذهَّب، و لا قيمة الآثار التي نُهبت من مواقع عديدة تمَّ الحفر و التنقيب فيها…
و أخيرًا أعطت الصحيفة رقمًا تقريبيًّا، أنَّ الأمريكان نهبوا بما يُقدَّر ب 2 تريليون دولار قيمة الذهب و الأثاث المذهَّب و الجواهر و الألماس و الدولار المنهوب من القاصات في القصور الرئاسية و قصور الوزراء ، غير مجموعة الآثار اليهودية في زمن السَّبي البابليِّ و الألواح التوراتية…
قال لي مرة أمريكي متبجِّحًا: بدونكم العالم أفضل، أنتم تستهلكون ما نُنتج، أمَّا ما عندكم فهو قدر الله لكم (هبة)، ثرواتكم من النفط و الغاز و المعادن ستَنضَب و تتلاشى، و أنتم تتكاثرونَ مثل النمل و الجراد، فماذا ستفعلون؟!، يوم لا تجدون شيئًا تملكونه لتبيعونه لنا؟!..
عالَمُ الغدِ عالَمُ عقولٍ، فيه سباقٌ نحو المبادرة و الإختراع و الإكتشاف، و العرب خير مَن يطرد و يقتل و يسجن العقول المبدعة، إلا النفر القليل الذي نحتضنه و نرعاه..
قرآنكم الإلكتروني صناعة تايوانية، سجادتكم و ثيابكم و مسابحكم صناعة صينية.
أما ماتملكونه من الإبرة إلى الطيارة، فهي ناتج عمل أمريكي أو أوربي أو ياباني أو…أو…!!!
عندما جنَّدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أشهر عملائها في قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي، و الذي كان عضو لجنة مركزية للحزب، و مسؤول مكتب العمل، كان عمله فقط أن يُعيِّنَ الشخصَ في المكان غير المناسب، ليدمِّرَ الجهدَ و الزمنَ و الكفاءةَ و الإبداعَ..
لقد جنَّدت و زرعت أمريكا فينا مَن لا يُعيِّن و لا يشغل، و إذا أراد أن يعيِّنَ شخصًا فيضعه في المكان غير المناسب،و أحيانًا بلا مكان إن لم يكن المكان فضائيًّا مثل المستشفيات و المدارس و المعامل و الفصائل الفضائية…
بين ٢٠٢٠ و ٢٠٢٥ ستقوم أمريكا بجني مافعلته (الصدمة) فينا، و سنقبَل بأيِّ حلولٍ، إن كانت هناك ثَمَّة حلولٍ…
لنا و للعراق ربُّ المُلك و الأرزاق..
الوهَّاب الكريم الرزاق…
أ.د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي.