بين الفيل والغراب ضاع الوارد والحساب..
![](wp-content/uploads/2021/04/Screenshot_٢٠٢١٠٤١٧-٠٢٢٧٠٤_WhatsApp-scaled.jpg)
24 – متابعة
أ.د. ضياء واجد المهندس
تُظهِرُ الكثيرُ من الدراساتِ العلميةِ في سلوك عالم الحيوان إلى وجود تشابهٍ كبيرٍ بين سلوك الغُربان الإجتماعي و سلوك الإنسان و أثبتَت وجودَ ما يُسمَّى ب(محاكم الغربان) و فيها تُحاكِمُ الغُربانُ أيَّ فردٍ يخرجُ على نظامها بحسب القوانين الفِطرية لها، و لكلِّ جريمة عقوبتها الخاصة بها.
فجريمةُ اغتصاب العش، أو هدمه: تكتفي محكمة الغربان بإلزام المعتدي ببناءِ عُشٍّ جديدٍ لصاحبِ العُشِّ المُعتدَى عليه.
و جريمة الإعتداء على أنثى غرابٍ آخرٍ: تقضي محكمة الغربان بقتل المعتدي ضربًا بمناقيرها حتى الموت..!، وحينئذٍ يحمله أحدُ الغربان بمنقاره ليحفرَ له قبرًا على قدر جسده، و يضعُ فيه الغرابَ القتيلَ ثم يهيلُ عليه الترابَ إحترامًا لحُرمة الموت.
و من هذه العملية تعلَّم إبنُ آدمَ كيف يدفنُ موتاه كما جاء في النَّصِّ القرآني في سورة المائدة.
قال تعالى: *”فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ* *فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِن الْخَاسِرِينَ(30)* *فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ* *لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا* *وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ* *فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِين (31).*”
تعيشُ الغربانُ حياةً مُنَظَّمَةً على صعيد العدالة القائمة بين الغراب و بني جنسه.
غير أنَّ العربَ يتشائَمون كثيرًا من رؤية الغراب و يعدُّونَهُ نذير شؤمٍ، فهو دائمًا ما يأتي عندهم مُحَذِّرًا بوقوع خطر محدقٍ، أو مُحَذِّرًا بغزوٍ، أو بموتٍ أو بخسارةٍ إقتصاديَّةٍ من فُقدان قوافل التجارة أو المحاصيل، حتى أصبحت عبارة (نعيقُ أو نعيبُ الغُربانِ) أي: صوته و صياحه، مؤشِّرًا ﻻنتظار خسارةٍ أو توقُّعِ انهيارٍ إقتصاديٍّ.
و في قصة أخرى
لمصطلح (الفيل الأبيض)
تُقيمُ طبقةُ الأغنياءِ في الهند إحتفالًا لرجلٍ من عامَّةِ الناسِ إذا صَعَدَ إلى طبقتِهِم و يدعونَهُ إلى هذا الإحتفال و يقوموا بإهدائه فيلًا أبيضًا، و لأنَّ الفيلَ الأبيضَ يُعَدُّ مُقَدَّسًا عندهم يتوجَّبُ على الذي أخذه إطعامه و إكساؤه الحُلِيَّ و رعايته، و بذلك يستنفدُ هذا الإهتمامُ ذو الكُلَفِ العالية ثروةَ الرجلِ الثَرِيِّ و يتسبَّب في رجوعه إلى الفقر و إلى طبقته الإجتماعية السابقة التي كان منها، و بذلك يتخلَّصُ الأغنياء منه.
يدلُّ مصطلح
(الفيل الأبيض) على الإنفاق الذي لا مردودَ له سوى المزيد من الخسائر و دون تحقيق أي أرباح تُذكر.
و ينطبقُ هذا على نفقات الحكومة العراقية من الرواتب و الأجور و اﻻمتيازات الخاصة مُتمثِّلَةً ب (رواتب الرئاسات الثلاث و الدرجات الخاصة) حيث تجاوز مجموع الرواتب و الأجور ما مقداره 5.7 تريليون دينار شهريًّا. و كانت تستهلك إيرادات العراق من النفطٍ كلِّها (بعد خصم حصة الشركات و التكاليف الأخرى) مما جعلَ الحكومةَ فقيرةً و عاجزةً عن إقامةِ المشاريعَ و تقديمِ أيَّةِ خدماتٍ مع ازدياد البطالة.
أما الآن و بعد جائحة كورونا و هبوط أسعار النفط فإنَّ الواردات النفطية ﻻ تسد النفقات التشغيلية لتلك الرواتب و التي ستكون بمثابة الفيل الأبيض في العراق.
فلو أننا أنفقنا نصف ما يُنفَقُ على تلك الرواتب و الأجور سنويًّا على مشاريع إستثمارية و على دعم القطاع الخاص و دعم الشباب العاطل لأصبحَ العراقُ من الدول المتقدِّمةِ و نكون قد حقَّقنا نموًّا إقتصاديًّا كبيرًا.
إنَ (نعيبَ الغُربانِ) التي تُحيطُ بمداخيلنا و تُشكِّلُ قلقَ العوائلِ العراقيةِ جميعِها في انتظارِ بيئةٍ إقتصاديَّةٍ ناشِطَةٍ توفِّرُ أبسطَ مقومات الحياة، إلا أنَّ نفقات (الفيل الأبيض) ستجعلنا دائمًا في فوبيا الإقتراض و القيام باستقطاعات من مدخولات العوائل محدودة الدخل.
اللهمَّ ارزُقنا من خيرِكَ يا رزاق، و احفَظنا و أهلَنا و العراق..
البروفسور د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي