لا تكن معترضا جاهليا

🔸 *لا تكن معترضا جاهليا*🔸
🖋️ *الشيخ محمد الربيعي*
كثيرا مانشاهد ابواق الجهل و الشيطان ، المعترضه على الاحكام الالهية ، وكأنهم هم الحكماء والعلماء ومادونهم الجهلاء ….
محل الشاهد :
من تأمل مبتداه ومنتهاه، وتفكّر في الدنيا ومصيرها، ونظر في السموات وأنجمها، والأرض وما فيها وما عليها؛ ظهر له شيءٌ من عظمة الخالق وحكمته تبارك وتعالى. فمخلوقاته تعالى تسير في انتظام، ولها ابتداءٌ وانتهاء على وفق حكمته وإرادته، ومن أسمائه الحسنى جلّ
في علاه الحكيم ﴿ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 28].
وقد ورد هذا الاسم الجليلُ في القرآن أربعًا وتسعين مرة، وهو متضمنٌ لصفةِ الحكمة التي يتصف بها ربُنا جل جلاله
والحكيم: هو الذي لا يقولُ ولا يفعلُ إلا الصواب، وإنما ينبغي أن يوصف ربنا – جلّ جلاله بالحكمة؛ لأنَّ أفعاله سديدة، وصنعه متقن، ولا يظهرُ الفعلُ المتقن السديدُ إلا من حكيم.
إن الله تبارك وتعالى حكيم فلا يخلق ولا يأمر عبثًا وسدى وباطلاً؛ بل له المرادُ فيما أراد، وأفعاله صادرةٌ عن حكمةٍ بالغة، ومصلحةٍ عظيمة، وغايةٍ حميدة.
وكمالُ حكمته – جلّ شأنه – يقتضي كمالَ علمه المحيط بكل شيء كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الشُّورى: 12]، ﴿ إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5]، وقال سبحانه: ﴿ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 81] ولذا جمع بين الصفتين العلم والحكمة في آيات كثيرة فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 128].
ظهرت حكمتُه البالغة في خلقه، خلقهم فأحكم خلقهم، وصوّرهم فأحسن صورهم، وأبدع الكون ورتّبه أكمل ترتيب، ونظّمه أجمل تنظيم، ومنح كلّ مخلوق شكله اللائق به فأبدع أيما إبداع …
ومعنى الإحكام لخلقِ الأشياء إنما ينصرفُ إلى إتقان التدبير فيها، وحسن التقدير لها؛ إذ ليس كلُ الخليقةِ موصوفًا بوثاقة البُنية، وشدةِ الأسر، كالبعوضة والنملة وما أشبههما من ضعاف الخلق إلا أن التدبير فيهما، والدَّلالة بهما على كون الصانع وإثباته ليس بدون الدَّلالة عليه بخلق السموات والأرض والجبال وسائر معاظم مخلوقاته. وكذلك هذا في قوله جل وعزّ: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلََّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السجدة: 7]، لم تقع الإشارة به إلى الحسنِ الرائق في المنظر؛ فإن هذا معدوم في القرد والخنزير والدب، وأشكالها من الحيوان. وإنما ينصرف المعنى فيه إلى حسن التدبير في إنشاء كل شيء من خلقه على ما أحبَّ أن ينشئه عليه، وإبرازه على الهيئة التي أراد أن يهيئه عليها؛ كقوله تعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2] .
فما من شيء خلقه الله تعالى إلا وأحسن خلقه، وأتم صنعه على ما يريده، تبارك وتعالى.
وما خلق هذا الخلق العظيم، والأمم الكثيرة إلا لحكمة عظيمة، وغايةٍ جليلة تتمثل في عبادته وحده لا شريك له، ومن ثم امتحان عباده وابتلائهم بالشرائع لينظركيف يعملون ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ﴾ [ص: 27].
وحكمته البالغة ظاهرةٌ فيما شرعه من الشرائع المشتملة على كل خير في الدنيا والآخرة. فأمره ونهيه يحتويان على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا، فما أمر الله تعالى بشيء إلا وفيه مصلحةٌ عاجلةٌ أو آجلةٌ أو كلاهما. وما نهى عن شيء إلا وفيه مفسدة عاجلةٌ أو آجلة أو كلاهما. وليس المرادُ بالآجل أمور الآخرة؛ لأن الشرائع لا تحدد للناس سيرهم في الآخرة؛ ولكن الآخرة جعلها الله جزاءً على الأحوال التي كانوا عليها في الدنيا.. وإنما المراد: أنَّ من التكاليف الشرعية ما قد يبدو فيه حرج، وإضرارٌ بالمكلفين، وتفويتُ مصالح عليهم؛ ولكن المتدبّر إذا تدبَّر في تلك التشريعات ظهرت له مصالحها في عواقب الأمور. وتلك المصالح يُحصِّلها العباد إذا التزموا الأمر والنهي في الدنيا قبل الآخرة
وقد جمع الله تعالى حكمته في خلقه، وحكمته في شرعه في قوله تبارك وتعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].
ومع أن هذه العقيدة متقررة في نفوس المسلمين – على تفاوت بينهم في إدراكها – فإننا كثيرًا ما نسمع من بعضهم – هداهم الله – من يسألُ فيقول: لماذا كان هذا الشيء حرامًا؟ ولماذا أوجب الله كذا؟ وما الحكمة من هذا التشريع؟ وما المصلحة من كون كذا من الشريعة؟ ونحو تلك الأسئلة، التي تنم عن ضعضعةٍ لهذه العقيدة في قلب السائل. فإن كان السائلُ مسترشدًا، وحكمةُ ما سأل عنه ظاهرة أُخبِر بها، ونُصِح بالتسليم لله رب العالمين، وعَدَم التكلف في السؤال. وإن كان السائلُ معاندًا مستخفًّا بشرع الله تعالى – وما أكثرهم في هذا الزمن – فهذا هو الكفر المحض، والجنونُ البارد.
وأهلُه هم أتباعُ إبليس المعترضِ الأولِ على حكم الله تعالى فإنه رأى أن النارَ أفضل من الطين، ولم تتبين له حكمةُ سجود مَنْ خُلِق من نار لمن خلق من طين؛ فاعترض على ذلك وامتنع، فلُعن وهلك.
وتبعه في هذه الطريقة الكفرية المشركون فاعترضوا على حكمةِ الله في اصطفاء من يشاء من عباده رسلاً فقالوا: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ الله ﴾ [الأنعام: 124]، وقالوا: ﴿ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزُّخرف: 31]، بل إنهم اعترضوا على كون أتباع الرسل من عامة الناس وضعفتهم فقالوا: ﴿ أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ﴾ [الأنعام: 53].
وفي هذا العصر كثُرت الزندقة، وانتشر الإلحاد، فسمعنا من يعترض على حدود الله تعالى، ويصفها بالهمجية والوحشية، وعدم مناسبتها للألفية الرابعة . ورأينا من يعترض على أحكام الإسلام فيما يتعلق بالمرأة وميراثها وقرارها في المنزل وحجابها، والولي لها في الزواج، وقضية الامومة و الحضانة ، واحكام الزواج ، وغير ذلك مما فصلته الشريعة!!
وتالله، للهُ أعلمُ بها وبهم وبالخلق أجمعين، وبما يصلح لهم في معاشهم ومآلهم ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14ٍ].
آمنا بذلك، وسلمنا به، ونُشْهِدُ عليه ربنا، ونسأله الثبات على الإيمان إلى الممات ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون:115 – 116].
محل الشاهد :
فإن العبدَ لا يكون موحدًا لله تعالى مؤمنًا به إلا إذا أيقن بأن الله تعالى حكيم فيما خلق وفيما شرع، ثم قاده هذا اليقين إلى الامتثال والإذعان لأحكام الشريعة التي أنزلت من حكيم خبير.
ولهذا الموضوع المهم أصلٌ عقدي، وأصلٌ عملي، فأما الأصلُ العقدي: فإثباتُ الحاكمية لله تعالى، والإيمانُ بأن له – جل جلاله – التصرف المطلقَ، والحكم التام، والمشيئة النافذة، يقضي ولا راد لقضائه، ويحكمُ ولا معقِّب لحكمه، فالكل في ملكه، وتحت سيطرته. فيجبُ على المسلم أن يعتقد أن الله تعالى يأمر بما يشاء، وينهى عما شاء، له كمالُ الربوبية على عباده، وهم مربوبون له، خاضعون لأمره ونهيه، ليس لهم أن يعترضوا أو يمتعضوا. ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23]، ﴿ إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ ﴾ [الأنعام: 57]، ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68]، ﴿ وَاللهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الحِسَابِ ﴾ [الرعد: 41].
ومن ثم إثباتُ الحكمة له فيما خلق وما شرع، سواء أدرك المكلف الحكمة أم لم يدركها.
وخفاء الحكمة من الخلق أو الشرع لا يعني عدمها، وإنما يعني عدم علمنا بها. والقاعدة المقرَّرة: “أن عدم العلم ليس علمًا بالعدم”. أي: عدمُ علمنا بالحكمة لا يعني أنها معدومة فعلاً، وإنما غايةُ الأمر أننا جهلناها ولم ندركها.
ويجب أن نعتقد أن الله تعالى إنما أخفاها عنّا أيضًا لحكمة أخرى، فالحُكْم شُرع لحكمة، والحكمة أخفيت لحكمة، والإيمان بذلك يندرج تحت ركن من أركانِ الإيمان وهو الإيمان بالغيب.
وأما الأصل العملي فهو وجوب الامتثال لأمر الله تعالى واجتناب نهيه ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].
وعز المؤمن ورفعتُهُ هي في قيامه بالشريعة أمرًا ونهيًا؛ لأن هذا دليلٌ على عبوديته الصادقة لخالقه. وهذا لا يتأتى إلا لمن كمل إسلامه؛ لأن الإسلام هو الاستسلام للشارع الحكيم، والانطراح بين يديه انطراحَ العبد الذليل، والانقيادُ له تمام الانقياد بكل محبة وتعظيم، وإجلال وطواعية، ورجاء وخوف. فمن حقق ذلك كمل إيمانه، واستحقّ الجزاء الأوفى يوم القيامة من حكيم رحيم جلّ جلاله لا يخذل من وحده واستسلم لشريعته، واتبع أوامره، واجتنب نواهيه.
ألا فاتقوا الله ربكم أيها المؤمنون واستسلموا لأمره، ولا تكونوا كبني إسرائيل الذين قالوا: ﴿ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾ [البقرة: 93]، بل قولوا: سمعنا وأطعنا، ولا تتكلفوا ما لا علم لكم به فتهلكوا.
سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى