ازدواجية المعايير في العراق: الشرف بين الواقع والوهم

 

رباب طلال مدلول

في القانون، يُعتبر المتهم بريئًا حتى تثبت إدانته، ولكن في المجتمع العراقي، يتم التعامل مع الفتيات كمذنبات حتى تثبت براءتهن، أو بالأحرى عذريتهن. تعاني الفتيات العراقيات من انتهاكات صارخة لكرامتهن وأنوثتهن، حيث يتم وضعهن في قفص الاتهام لمجرد أنهن نساء. في المقابل، لا يخضع الرجل العراقي لنفس المعايير، ولا يُطلب منه إثبات شرفه أو عذريته. هذه المعايير المزدوجة تنبع من ثقافة تعتمد على مفاهيم خاطئة ومتحيزة تجاه النساء، حيث يُعتبر غشاء البكارة المقياس الوحيد للشرف والعفة.

ولكن ما يغفله الكثيرون هو أن هناك طرقًا عديدة قد تؤدي إلى فقدان المرأة لعذريتها دون أن تفقد شرفها أو ترتكب خطأً. كما أن غشاء البكارة ليس دليلًا قاطعًا على العذرية، وهذا ما لا يدركه أو يتجاهله العديد من الرجال في العراق. تشير بعض الإحصائيات إلى أن آلاف الفتيات العراقيات فقدن حياتهن بسبب الجهل حول أنواع غشاء البكارة، وتأثره بعوامل أخرى غير الاتصال الجنسي.

في عام 2018، أفاد تقرير لمنظمات حقوق الإنسان بأن حوالي 50 فتاة تُقتل سنويًا في العراق بسبب “جرائم الشرف”، وغالبًا ما تكون الأسباب مجرد شبهة أو عدم فهم كامل للموضوع. تتفاقم المشكلة عندما يتزوج الرجل العراقي وهو غير واثق من شرف زوجته وعفتها، مما يؤدي إلى بناء حياة أسرية هشة مبنية على “غشاء بكارة”. هذا التفكير السطحي يعكس انحدارًا ثقافيًا في بعض الأوساط العراقية، حيث يُختزل الشرف في جزء من الجسد، ويتم تجاهل القيم الأخلاقية الأوسع التي تشكل الإنسان.

من الأمثلة الواقعية على هذا الظلم قصة فتاة عراقية من محافظة البصرة قُتلت على يد أفراد عائلتها بعد أن شككوا في عذريتها، رغم أنها كانت ضحية حادثة غير متعمدة أدت إلى تمزق غشاء البكارة. هذه المأساة ليست حالة فردية، بل جزء من نمط واسع من الانتهاكات ضد النساء، نتيجة لعدم وعي المجتمع وعدم تقديرهم للمرأة ككيان مستقل يمتلك حقوقًا وكرامة.

إن معالجة هذه القضية تتطلب جهودًا من مختلف الأطراف، بما في ذلك السلطات القانونية والمؤسسات التعليمية والدينية والإعلام. يجب أن يتم توعية المجتمع بأن الشرف ليس محصورًا في جزء من جسد المرأة، بل هو مفهوم أوسع يرتبط بسلوك الفرد وأخلاقه. في نهاية المطاف، فإن استمرار هذه العقلية المتحجرة يعكس تراجعًا في القيم الإنسانية، وهو أمر لا بد من معالجته إذا أراد المجتمع العراقي أن يتقدم نحو مستقبل أكثر عدالة ومساواة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى