حكايات قديمة

حكايات قديمة / ضجيج في قريتي في عصر الزمان الماضي
بقلم : ناظم عبدالوهاب المناصير
لا أكتم أي شيء عما يحصل في سنوات عمرنا الماضية و ما كان يجري فيها من حياة بسيطة ، لكنها كانت بألوان جذابة جميلة .. ففي بداية منتصف القرن الماضي ، كنتُ أرى وأنظر وأستطلع كل صغيرة وكبيرة تحدث أمامي أو من وراء ستارة شفافة وأنا حدث صغير .. كنّا ننهض مبكراً نتناول فطور الصباح ومن بعيد نسمعُ نهيق حمار ، حيثُ أنحنى ظهره وهو يحمل أكثر من مائة كغم من الملح الصحراوي ثلاثة أو أربعة أكياس كل كيس فيه ما يقارب خمسة وثلاثون كيلوغراما من الملح ، صاحبه يسوقه في أرض الله الواسعة ..توقف ذلك اليوم بالقرب من باب
بيتنا ، كان عطشاناً ، سَقيْته بالماء .. يبيع صاحبه الكيس الواحد بحدود 250 فلساً
وبعد التداول معه من قبل المشترين ، يبيعه عليهم بمائتي فلسا ..
ولابد من حدوث ضجة تتعانق مع كهوف الذات ، بائعي النفط .. نفط ..نفط ..
مصلحي المواعين الفرفوري المكسورة وجراخي السكاكين والمقاصيص .. وفي
الضحى تمر القابلة والممرضة ماري عبو يحملها وراءه سائق الدراجة الهوائية
لقاء مبلغ من المال فتذهب إلى البيوت لغرض توليد النساء بمواليدهم ، وكانت
قبلها أم أمل واخرى نعيمة أسطيفان .. وهناك نشأت في القرية امرأة أمية أتخذت
نفس العمل وبسعر أرخص ..
اضافة لذلك فإن القرية لا تخلو من آخرين فهناك من يبيع البطيخ والمتوت
بالمقايضة مقابل تمر يابس أوحشف .. يعقب ذلك رجل يهودي يدعى ( الملقن )
يشتري البيض من ربات البيوت بسعر البيضة الواحدة ستة فلوس وبدوره يبيعها
في العشار بسعر عشرة فلوس أو أقل ..
أم صالح اليهودية بوجهها السمح والمبتسم دائماً ، تدخل البيوت تحمل صرة كبيرة
لبيع القماش بألوانه الجميلة وبسعر مناسب وأقل من سعر السوق ..
أبو عزيز المطهرجي يحمل شنطته الصغيرة وخاصة في فصل الصيف ليقوم
بعمليات ختان الأطفال من الذكور .. الأطفال بعد الختان يلبسون دشداشة خيطت من
قماش ( الململ ) ..
هناك مهمة صيانة القدور والصفريات ، فيأتي بين وفترة أخرى الصفارون ،
فيقومون بتصفير وتلميع هذه المواعين ..
في هذه القرى يوجد نجارون ، يصنعون الكراسي وبرادات الماء ( صندوق ثلج )
والكرويتات ولوالك للأطفال الرضع ..
وكنا كل شهر نذهب إلى الحلاق يحلق رؤوسنا ( نمرة صفر ) لأن المعلم
المرحوم عبدالوهاب فعيل لآ يقبل إلا نمرة صفر محاربة للقمل وعدم أنتشاره بين الطلبة .. كان المرحوم كاسي من الحلاقين المشهورين في مناطق القرية وقرى
أخرى ..الحلاقة بـ ( عشرين فلساً ) أو يدفع له سنوياً عند موسم التمر ..
عادة تفتح الحسينيات النسائية ( أم جمال ) وأخرى ( بيت البناء عبدالواحد ) وأخرى رجالية تعود لبيت الزوار .. النسوة الفقيرات أو أبناؤهن يبعون ( اللبلبي ) ويصيحون ( لبلبي حار ومستوي بيع أمك وأشتري ) .. وأتذكر عندما مرضت نذرت والدتي أن تقوم بعمل ( الجداوة ) في هذه الحسينيات إذا تحسنت صحتي ، فتمسك بيدها طاسة مصنوعة من مادة البرنج وتدور بين النساء هذه تضع عشرة فلوس وهذه فلسين وأخريات عانة ( أي أربعة فلوس ) .. بعد الإنتهاء من هذه المهمة تضع ما جمعته في صندوق التبرعات الحسينية ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ناظم عبدالوهاب المناصير
البصـــرة / العراق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى