المسافر والخيــــــــــال ( 33 )

المسافر والخيــــــــــال ( 33 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعند الساعة 1500 كانت هناك دافعة في مقدم السفينة وأخرى عند مؤخرتها وراحتا تسحبان سفينتنا من رصيف ميناء برشلونة وقد سبقها رفع القابلو الكهربائي الذي يجهز السفينة بالكهرباء من الميناء وبالتالي على سفينتنا الإعتماد على المحركات المساعدة في تجهيز الطاقة الكهربائية للسفينة ، ومن ثم تم رفع حبال المقدمة وبعدها حبال المؤخرة ( وتتم اسبقية فك الحبال الأمامية أو الخلفية وذلك حسب اتجاه التيار ) وتم وضعها على المسار وخط السير الصحيح لننطلق وندخل عباب البحر الأبيض المتوسط .
وهكذا لكل بداية لابد أن تكون هناك نهاية لها ، بالأمس كنا في حالة الذهاب ، واليوم فاننا في حالة الأياب نحو بلدنا ، والأمور الأعتيادية في عملنا على السفينة كانت تسير بشكلها الطبيعي ونحن نتجه نحو بور سعيد بغية الولوج في قناة السويس ، واستمر ابحارنا بشكل طبيعي لمدة ثلاثة ايام ، وما ميز رحلتنا هذه هو هدوء البحر ، بعيدا عن الهيجان وبالتالي عدم مصاحبة الأمواج العالية لسير سفينتنا وهي بكل تاكيد امور معيقة لسيرها .
وصلنا على مقربة من بور سعيد ، وارسلنا طلبنا للدخول في قناة السويس ، الا أنهم اعتذروا من السماح لنا من دخول قناة السويس واجتيازها للوصول إلى خليج السويس ومن ثم إلى البحر الأحمر ، كنا نامل اعطائنا موعدا محددا في الدخول للقناة إلا أن الأمر اختلف الٱن ، وعلمنا فيما بعد أنه لايمكن تامين الدليل البحري من أجل الولوج في القناة بسبب عدم وصول التحويلات المالية للوكيل الملاحي ، إذ أن في كل ميناء ، هناك وكيل ملاحي معتمد من قبل الشركة المشغلة للسفينة لتسهيل الأمور المالية لها ولطاقمها ، واستمر الحال هذا لمدة ستة عشر يوما ننتظر وصول التحويلات المالية ، ولا أخفي على القارئ الكريم عن كيفية الحالة النفسية وكم كانت لنا متعبة جدا ونحن نعيش هذه المدة الطويلة بدون السماح لنا بالنزول إلى مدينة بور سعيد لتغيير الجو ومراعاة حالتنا النفسية وما نعانيه من تلك الحالة والتي كانت صعبة للغاية ، عشناها وقد سببت لنا آلام نفسية قاسية ، فولد لنا كرها للامور السياسية ببن البلدين ، وبعد تلك المدة الطويلة نسبيا ، وصل التحويل المالي للوكيل الملاحي ، فكان لنا بهجة وسعادة لايمكن وصفها ، وتم اجتياز قناة السويس بدون اية مشكلة نحو خليج السويس ومن ثم البحر الأحمر ، وبالنظر لنشوب حرب الخليج الأولى وعدم تمكننا من العودة إلى موانئ البصرة ، فأن الأوامر صدرت للرسو في ميناء ينبع البحر السعودي .
ومع اقترابنا من السواحل السعودية وبالتحديد من ميناء ينبع البحر ، وكان وصولنا ليلا بحدود الساعة 2000 لاح لنا من بعيد زورق الدليل البحري وعند ملاصقته لسفينتنا تم انزال سلم الدليل البحري ليصعد رجل اثار انتباهنا بسبب ارتدائه الدشداسة البيضاء وغترة حمراء وعقال ، تبين لنا فيما بعد أنه الدليل البحري لنا لقيادة السفينة إلى الميناء ، وهذا الأمر اي الدليل البحري وملابسه شاهدناه لأول مرة ، ولم نشاهده من قبل في مثل هذا الأمر ، طالما شاهدنا جميع الأدلاء البحريين وهم بقيافة القميص والبنطلون ، وبحدود الساعة 2130 رست سفينتنا تماما على رصيف الميناء بمساعدة دافعتين تابعتين للميناء .
لم يكن في الميناء أية سفينة اخرى سوى سفينتنا ، وتبين لنا أن الميناء لم يتم افتتاحه بعد وان المستلزمات الفنية لتشغيله هي الأخرى لم تكتمل ايضا ، ولكن الغريب بالأمر هو صعود أربعة من شرطة الميناء إلى السفينة ، اثنان منهم يكون موقعهم عند السلم الرئيس للسفينة ، اما الآخران فيكونان في طور الأستراحة ، اجراءات امنية خاصة بتلك الدولة لم نرها في اي ميناء آخر من الموانئ التي تم زيارتنا لها ، وبتنا ليلتنا لنصبح بصباح جديد وجو جديد تشوبه الرطوبة العالية بسبب حرارة الجو ، واثناء تواجدنا في مطعم السفينة ونحن نتناول افطارنا ، فاذا بصوت ينبعث من الإذاعة الداخلية وهو يقول مامعناه بأن على كل فرد من افراد الطاقم استلام جواز سفره قبل نزوله البلدة ، وحال انتهاءنا من تناول افطارنا وعلى وجه السرعة استلمنا جوازات سفرنا ، وما بقي إلا الإنتظار لاستلام تخصيصاتنا المالية بالعملة المحلية والتي كانت بــ ( الريال السعودي ) ، إلا أن الوكيل الملاحي تاخر لغاية الظهر ليأتي بالتحويلات المالية لطاقم السفينة ، وأخيرا جاء دورنا لتسلم مخصصاتنا ولننزل إلى المدينة ، إلا أننا لاحظنا إجراءات امنية غير مسبوقة لنا في شروعنا بالنزول هذا ، اذ يتم التفتيش من قبل رجلي الأمن عند سلم السفينة ، وبعد ذلك يسمح لنا بالنزول إلى الميناء ، وعند الوصول إلى بوابة الميناء علينا تسجيل اسماءنا لدى الاستعلامات مع تسجيل رقم جواز السفر ، وكان لهم ما ارادوا ، وعلمنا منهم أنه عند عودتنا يجب تأشير الدخول بالإستناد على الإسم ورقم الجواز ، إجراءات أمنية لم نرها في أي ميناء من الموانئ التي تمت زيارتها من قبل ، ولا ادري هل استمرت هذه الحالة إلى الآن في يومنا هذا ام تغيرت تلك الإجراءات ، ربما لأن الميناء جديد العهد ولم يتم افتتاحه رسميا ، وادركنا مالنا وما علينا وواصلنا المسير ، ولم تكن المدينة بعيدة عن الميناء ، سوى مايقرب من كيلو متر واحد ولنصل إلى مركز المدينة … يتبع

ســــــــــعد عبدالوهاب طه