المسافر والخيال ( 11 )
المسافر والخيال ( 11 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهكذا خرجنا من القلعة مساء ( بعد العصر ) نجر خطانا نحو سفينتا حاملين كاميراتنا التي كانت حديثة الطراز ( كاميرات كاسيت ) المتميزة بصغر حجمها وذات تقنية عالية والتي لم يدم صمودها في الإستعمال الشخصي إلا سنوات قليلة لينتهي دور الكاميرات بشكل نهائي ليحل محلها التصوير الأليكتروني بواسطة هواتف الجوالات .
كان الجو لطيفا ومنعشا تطغي عليه نسمات باردة نوعا ما ، والسماء كانت محملة بغيوم متفرقة ، تظهر مابينها الشمس والتي سرعان ماتغيب خلف تلك الغيوم ، وبينما نحن في مسيرنا هذا ، فإذا بنا نرى منحدرا متوسطا نحو غابة غناء ذات اشجار كثيفة ، وأرضها مليئة بالزهور المختلفة ، وراحت الوان تلك الزهور ( الأحمر ، الأزرق ، الأصفر ، الأبيض ) تدغدغ مشاعرنا وكأننا نتحسس عبقها ، والأجمل مافيها ، تناثر مصطبات الجلوس الخشبية بشكل متجانس بين أركانها بالإضافة إلى ذلك ، جلب انتباهنا بشكل أكبر ، هو تلك المستطيلات المنتشرة بصورة تناسقية رائعة وهي مزروعة بالحشائش الخضراء ومحاطة بشتلات الزهور المختلفة الألوان ، فساقنا حرص مشاعرنا نحو الولوج إلى داخل تلك الغابة الغناء لإلتقاط صور تذكارية فيها ، ومع مسيرنا بمحاذات تلك الغابة ، وصلنا إلى الباب الرئيس ، فنزلنا من الطريق نحو ذلك الباب ، فدخلنا إليها والتي لم يكن فيها من الزوار إلا نفر قليل ، وأخذنا نمشي في الطريق الرئيس مابين الأشجار ، ولكن أثار إنتباهنا إلى شيء ما في رأس تلك المستطيلات الخضراء ، وبشكل متناسق ومتماثل مع بعضها ، والتي كانت عبارة عن قطع من المرمر فيها كتابة وتواريخ يعلوها صليب ، فأندهشنا لتلك المناظر وسرعان ماتم زوال إندهاشنا بعد معرفتنا أنها كانت عبارة عن قبور وأن تلك الغابة ماهي إلا مقبرة ، حينها ضحكنا كثيرا ولا أدري مالذي دعانا إلى الضحك ونحن في مأساتنا هذه ، وعلى الفور غادرنا تلك المقبرة من غير تحقيق رغباتنا في التصوير مع تلك المناظر الخلابة ، حينها قررنا قبل العودة إلى السفية بعد ذلك اليوم الشاق في المشي والتجوال أن ندخل السوق الذي كان في طريقنا باتجاه السفينة ، ودخلت أنا وصديقي إلى أحد المحلات بينما كان ثالثنا في انتظارنا خارج المحل ، وتم حصر مشترياتنا البسيطة والتي لاتتعدى نوعين او ثلاثة من المعجنات وبعض قطع الشكولاتة وبعضا من البطاطا المصنعة ( الجبس ) وبعد دفع ثمنها هممت بالخروج وإلى جانبي صديقي متخلفا عني بخطوة واحدة ، فاذا بي اتفاجأ برأسي وهو يرتطم بجسم امامي كاد يغمى علي من شدة تلك الصدمة وليتبعني صديقي بعد قليل ويرتطم راسه هو الآخر ، ويبدو أننا وقعنا في موقف حرج ، إذ كان أمامنا لوح زجاجي محيط بذلك المحل ، إذ لنظافة ذلك الزجاج الناشيء من عدم وجود الغبار عليه ، ولم يتلمسه أحد ليتركوا بصمات اياديهم عليه ، ولنقاوة ذلك الزجاج خيل لنا أن الطريق أمامنا مفتوحا ، فكان لنا ذلك الموقف محرجا ، بينما زميلنا الثالث الذي كان في إنتظارنا ، قد غص في نوبة من الضحك ، دعونا الله في حينها أن تكون تلك الضحكة والضحكات التي سبقتها في المقبرة ، من علامات الخير في ذلك المساء .
الحياة في الدانمارك جميلة وهادئة ، وشعب يتفاعل مع السياح بكل ادب واحترام ، فاذا ماوقفت في باب محل أيا كان ، فسيتقدم اليك صاحب المحل بكل احترام وتقدير سائلا إياك ، هل أنت في حاجة لأية مساعدة ؟ وبكل رحابة صدر يتم التعامل مع الزبائن بروح رياضية وطريفة في أحيان كثيرة ، والملفت للنظر ، لاحظنا كثرة توجيه كلمات الشكر للمقابل ، فأنت سواء أخذت من المقابل أو أعطيته شيئا ما ، فستجد كلمة الشكر ملاصقة لأي عمل بينكما ، فلاتستغرب من سماعك كلمة الشكر في كل تعامل مع صاحب المحل او حتى المواطن العادي ، وحسب اللغة الدانماركية تلفظ كلمة الشكر بـ ( تاك ) على الرغم من ان المحادثة تتم باللغة الإنكليزية مع السائح ، وهكذا عندما تتعامل مع شخص دانماركي فلا تستغرب من سماعك لكلمة ( تاك ) ولعدة مرات خلال لحظات قليلة .
قررنا العودة بعدها إلى السفينة محافظين عل الغرض الأساس ، بدون الإنشغال أو الإلتفات إلى امر آخر أو أي حدث قد نشاهده أمامنا قد تأخر سيرنا ، إذ كان برنامجنا لليوم اللاحق السفر إلى العاصمة كوبهاغن ، وعلينا أخذ قسطا من الراحة من أجل الإستعداد لذلك السفر الذي سيكون بالقطار ، ووصلنا إلى السفينة متأبطين التعب الناشيء من تجوالنا مشيا على الأقدام بالإضافة إلى حملنا لمشترياتنا وإن كانت قليلة ، فكانت وجهتنا نحو بهو الطلاب من أجل لقاء زملائنا ولنحدثهم عما جرى لنا من أمور طريفة ، سواء كان ذلك في القلعة أو المقبرة أو في ذلك المحل وقضية اصطدامنا بزجاجه ، والغريب بالأمر ، أن هذا الأمر كان من الواجب أن لانتحدث به حتى نبتعد عن الإحراج ، ولكن كنا ولشدة إنبهارنا بتلك الأحداث ، فاننا لم ندخر وسعا في فضح أمرنا أمام زملائنا ليشاركونا في إفضاء جوا من المرح ولتكون تلك الأحداث من الطرائف المميزة في سفرتنا هذه ، ولتنتشر تلك الأحاديث على وجه السرعة بين أغلب زملائنا في السفينة . …. يتبع
ســــــــــعد عبدالوهاب طه