الطلاق أبغض الحلال …. الاسباب والمعالجات
![](wp-content/uploads/2022/08/received_747115556406905.jpeg)
الباحثة الاء حسن هادي
الطلاق أبغض الحلال …. الاسباب والمعالجات.
كلنا يعلم أن الله جل وعلا قد شرّع الزواج لغايات إنسانية واجتماعية واخلاقية عالية، من أجل السكن النفسي والالتئام الاسري، ومن أجل استمرار النسل والمشاركة المجتمعية وصنع الحياة المثلى وحسن وتربية النشئ الراقي، قال تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، لكننا نجد الاسرة في واقع مجتمعاتنا المعاصر تواجه مشكلات وتحديات عديدة افرزتها التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتطور التكنولوجي الهائل، وهذه المشكلات والتحديات تهدد كيان الاسرة وتعمل على تفكيك أواصر التلاحم الاسري وتهديم عرى الوئام والتحابب بين الزوجين، والتي أرادها الحق جل وعلا ان تدوم بينهما لكي يشع الامن والسلام والاستقرار في المجتمع، وتظل شمسُ المحبة والوئام مشرقةً فوق الإنسانية، لكن ثمة معوقات ومنغصات تسود هذه العلاقة الزوجية لتتسع وتتشرذم وتزداد الهوة بين الطرفين مما يؤدي بعد حين الى الافتراق والانفصال، وهذا بدوره يُفضي الى ضياع وتفكك الاسرة، وبالتالي تفكك المجتمع وانهيار القيم والمثل والأخلاق؛ لأن الاسرة هي النواة الأولى لذلك المجتمع، فاذا انهارت الاسرة انهار المجتمع بأكمله، ناهيك عن ما ينتج جراء ذلك من الجرائم والانحرافات، إضافة لما ينسحب على سمعة العائلة وسمعة الزوجة المطلقة وأبنائها نتيجة للعرف الاجتماعي السائد .
إن القرآن الكريم والسنة الشريفة مثلما شددا وشجعا على الزواج ومكانة التزويج من المجتمع وحثّا على أهمية الزواج وتربية الأولاد، إذ أن كثيرا من الأجر لا يناله المسلم الا بالزواج، كما لوّح بعقاب كل من يسلك طريق غير طريق الزواج الشرعي، وجعل لمن يساعد الشباب على الزواج اجرا كبيرا . فالأسرة الآمنة المطمئنة هي التي تلتقي فيها النفوس على المودة والرحمة والتعاطف والود وفي كنفها تمتد اواصر الرحمة والتكافل، كذلك شددا – أي القرآن والسنة – ووضعا القيود والشروط على الطلاق، فنجد آياتٍ كثيرةً تُلزم الزوجين بإلزامات من شأنها أن تردعهما عما يبغيانه من الطلاق .
إن اختلاف الظروف التي تتعرض لها المجتمعات البشرية وتباين الامزجة والرغبات تؤدي حتما الى نشوء خلافات بين الزوجين، ولم تخلُ اسرة على مر التاريخ منذ بدء الخلق من وجود مشاكل وخلافات حتى في اشرف الخلق وازكاها في أسَرِ الانبياء والمرسلين، ولكن برغم هذه الخلافات الا ان الزوجين العاقلين هما اللذان يستطيعان ان يتغلبا على تلك المشاكل ويضعان الامور في مسارها الصحيح. بيد ان الحياة الواقعية والطبيعة البشرية فيها حالات لا يمكن معها استمرار الحياة الزوجية، لذلك شرع الله الطلاق كآخرِ حلٍ لما يحصل بين الزوجين من خلافات.
يعتبر الطلاق مشكلة اجتماعية ونفسية تعاني منها أغلب الأسر، وهو ظاهرة عامة لا يخلو منها مجتمع دون آخر، ويبدو انه يزداد انتشارا في مجتمعاتنا الحديثة والمعاصرة مخلفا وراءه آثاراً سلبيةً ومدمرةً ينتج عنها تفكك الاسرة وازدياد العداوة بين الزوجين واقاربهم، فضلا عن الآثار السلبية التي تنعكس على الأطفال؛ لذا فإن الله عز وجل قد أبغض الطلاق ونهى بشتى الوسائل والترغيبات من عدم الانجرار له، فالله تعالى يبغض كل ما يسيء الى العلاقة الانسانية وكل ما يهدم الأواصر بين الانسان وأخيه الانسان وكل ما يؤدي الى قطع القرابة او صلة الرحم التي يُبنى عليها أساس المجتمع؛ ولهذا نجده سبحانه وتعالى قد خصص سورة كاملة في القرآن سماها بـ ( الطلاق ) .
إن الطلاق هو نهاية علاقة بين رجل وامرأة جمع الله بينهما في لحظة ما وأراد لهما ان يلتحما ويذوبا في مودة ورحمة … وإنه إنفصام عروة لرابطة جمعتهما معا في وقت ما بإرادة الله، وإنه قتلٌ للأمل المرتجى لحياة مشرقة، وتحطيماً للناموس الذي ينظم الحياة، إنه فناء للمعنى الخالد .. للقيمة العليا .. للنموذج الاكمل .. للطهارة والشرف والاخلاص والوفاء.
هذا هو الطلاق ، إنه الاعلان عن فشل رجل وفشل امرأة، انهما معا فاشلان وليس احدهما فقط، إذ لا يوجد في الحياة الزوجية معتدٍ وضحية … جانٍ ومجني عليه … بل كلاهما معتديان وكلاهما ضحيتان وكلاهما جانيان ومجنى عليهما، وكلاهما خاسران وفاشلان لأنهما فشلا في تكريس المعنى الحقيقي للحياة، وفشلا في تأكيد القيمة الجمالية الحقيقية للإنسان كمنبع للمودة والرحمة.
إن الطلاق – في الحقيقة – يتم عبر مراحل ، إنه يبدأ كإحساس … كشعور… كحالة وجدانية يحصل فيها توقف للمشاعر وتجمد للعواطف وتصلّب للوجدان، بالتالي عندما يجف الاحساس ستقتدح شرارة الطلاق بين ظهراني الزوجين وتلوح في الأفق علامات الافتراق ونهاية مشوار قضياه في ثنايا أيامٍ وسنين كانت مليئة بالذكريات والمواقف التي قد تكون رائعة، عندها ستجف الاحاسيس وتموت المشاعر وكل شيء جميل، فالموت والطلاق شيء واحد .
من الاسباب التي من خلالها يلجأ الزوجان للطلاق هي :
• قد يكون احد الزوجين عقيما لا ينجب ، ونفس الآخر تتوق الى طلب الولد، وهو من مقاصد الزواج أو الزوجة، وعليه جبلت النفوس.
• قد يكون بأحدهما مرض مزمن او سوء عشرة او خشن معاملة لا ينفع معها نصح ولا صلح، واذا بقيا على زواجهما كانت حياتهما نفورا وخصاما وايذاءً، عندئذ يكون من صالح الزوجين والمجتمع ان يفترقا.
• قد يكون هناك نفرة في قلبيهما اوقلب احدهما وبالتالي ستفشل الاسباب وكما يقولون فرصة الانسان في الحياة واحدة فلماذا نجعلها عذابا لزوجين تبيّن أن الوفاق بينهما مستحيل، ويكون من اسهل الحلول هو الطلاق، ومن هنا اخبرنا الله تعالى ان الطلاق ليس شر كله بل يكمن فيه الخير، يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )
• سوء اختيار شريك الحياة من قبل الطرفين، إذ أن المجتمع بدأ يركز على امور شكلية كالشكل والجمال والوظيفة وغيرها من الميزات ولا يتم التركيز على الامور الاكثر عمقا مثل الجلوس معا واعطاء رأي أحدهما بالآخر بحيث يكون القرار صادر عن دراسة كل طرف دراسة مستفيضة.
• تدخل الاهل من قبل الطرفين في حياة الزوجين الخاصة ، لا سيما من قبل ام الزوجة وام الزوج بالتالي فإن هذا التدخل سيفسد حياتهما ويؤدي الى الخلافات بينهما؛ لذا يجب توعية الاهل بشكل عام بعدم التدخل في حياتهما.
• اجبار احد الزوجين على الزواج ويكون هذا الاجبار تحت تهديد وخوف وضغط من قبل الأهل، بالتالي سيكون هذا الزواج معرضا للفشل، إذ لا يوجد انسجام بين الزوجين.
• للأسف أن اغلب حالات الطلاق والاضطراب الذي يطرأ على الحالة الزوجية يكون بسبب ما يعرض على شاشات القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي والتأثر بالآخر الغربي من مسلسلات وأفلام وغيرها وتأثيرها على الأزواج والزوجات لاسيما في ظل الانسجام الاجتماعي مع هذه المسلسلات والأفلام التي تكون في الغالب بعيدة كل البعد عن ثقافاتنا وعاداتنا وتسهم بشكل أو بآخر في الهدم السلوكي بطريقة غير مباشرة، ومن ظواهرها مطالبة الشريك بالظهور بنفس الصورة والرومانسية التي يبدو عليها نجوم هذه المسلسلات والأفلام وغيرهم.
من الحلول المقترحة والتي تساعد في التخفيف من ظاهرة الطلاق:
• اتباع المنهج الاسلامي في عملية اختيار شريك الحياة، فهناك معايير في عملية الاختيار كالموافقة من قبل الطرفين والتعارف بينهما وغيرها، فإنّ تنفيذ هذه المعايير يحمي الاسرة من الضياع مستقبلا.
• وجود مكاتب الاصلاح الاسري، فإن وجودها يعمل قبل وصول القضية الى المحكمة على محاولة الاصلاح بين الزوجين والتفاهم بينهما واعطاء فرصة من التريث قبل المحكمة حتى تهدأ النفوس ويحدث التسامح والاصلاح بين الطرفين.
• ان يعرف كل زوج حقوق الآخر، وحتما فإن ذلك ينأى بالأسرة عن المشاكل، وهذه التوعية تتم عن طريق الاعلام وعقد الندوات والحوارات التي تفصّل حقوق كل طرف.
• الصبر على مشاق الحياة فقد يرى الازواج اثناء فترة الخطوبة ان الزواج سهل وعبارة عن نزهات رومانسية، لكنه في الحقيقة مشروع كبير يحتاج الى صبر وتضحية، فيجب توعية الازواج في فترة الخطوبة، ليكونا على علم بهذه الالتزامات والمشاق والصبر عليها.
إن الزواج نعمة … وسكن ….. ورحمة، بينما الطلاق نقمة … وقطيعة …. وعذاب. وفي النهاية داخل كل قصة من قصص المشاكل الأسرية مأساة حقيقية تعيشها الأسر وتؤثر على حياتها النفسية والاجتماعية والصحية؛ لذا ينبغي معالجة المشاكل بهدوء وحكمة والاستعانة بمساعدة الآخرين وإختيار الصالح للأسرة والذي يحافظ على بقائها قوية وسعيدة، ويضع في الحسبان الأبناء قبل القدوم على اتخاذ أي قرار بشأن الاسرة .
واخير نقول: الى كل مطلقة، اعلمي ان الطلاق ليس نهاية العالم فما زالت الحياة امامك مليئة بالكثير والكثير، واذا كنت قد طويت صفحة زواج فاشل، فلتفتحي صفحة جديدة مليئة بالخير والراحة ان شاء الله، فلستِ وحدك المطلقة، فهناك ملايين المطلقات في العالم لم تنته حياتهن بالطلاق، فمنهن من تزوجت مرة اخرى ونجحت في زواجها، ومنهن من لم تتزوج لكنها نجحت في ان تكون اديبة مشهورة اصدرت عشرات الكتب، وقدمت للإنسانية ادبا رفيعا، فالزواج رزق، والحب بين الزوجين رزق، فأرضي بنصيبك في الحياة وإعلمي أن الخير والشر سيبقيان في صراع الى يوم القيامة.