كيف تستعاد الثقة؟ بين الوعود المكسورة وصندوق ينتظر الإصلاح


الحقوقية انوار داود الخفاجي
تُطرح اليوم في العراق أكثر الأسئلة مرارةً وإلحاحاً كيف يمكن للمواطن العراقي أن يثق بالعملية الانتخابية مستقبلاً؟ سؤال لا يأتي من فراغ، بل من تراكم خيبات ووعود انتخابية لم تنفذ، ومن شعور عام بأن السلطة لا تتغير وأن نتائج الانتخابات تؤول في الغالب إلى ذات الوجوه التي عرفت طريق البرلمان والقرار السياسي لسنوات طويلة. فهل تبقى العملية الديمقراطية مجرد إجراء شكلي؟ أم هناك أمل يمكن التمسك به؟
الواقع السياسي يشهد أن جزءاً كبيراً من العراقيين فقدوا الثقة بصناديق الاقتراع، ليس لأنهم لا يؤمنون بالديمقراطية، بل لأنهم عاشوا تجارب مؤلمة جعلتهم يعتقدون أن أصواتهم لا قيمة لها. فكم من مرشح أعلن برامج إصلاحية وتعهدات بالشفافية ومحاربة الفساد، ثم تحول بعد وصوله إلى مقعده النيابي إلى جزء من ذات المنظومة التي انتقدها؟ وكم من كتلة وعدت بالخدمات وفرص العمل وتحسين المعيشة، بينما ظل المواطن واقفاً أمام طوابير انتظار فرصة عمل والرعاية الاجتماعية؟
الأخطر أن المال العام وموارد الدولة كثيراً ما استُخدمت في الحملات الانتخابية بدلاً من أن تكون وسيلة لبناء البلد وخدمة المواطن. فاز نواب سابقون مستندين إلى شبكة مصالح واسعة، وتقدم مرشحون مدعومون من أحزاب كبيرة تمتلك القدرة على النفاذ إلى مؤسسات الدولة، بينما تُركت الوجوه الجديدة التي تحمل أفكاراً إصلاحية خارج السباق أو في هامشه. كثيراً ما يشار في النقاشات العامة إلى حالات يُقال إنها استغلت نفوذ الدولة أو هيئة الحشد الشعبي أو امتيازات الرعاية الاجتماعية في توجيه الناخبين ما يعكس حجم الغضب الجماهيري من فكرة استغلال النفوذ في الانتخابات. إن وجود مثل هذه الأمثلة في الخطاب العام، سواء ثبتت قانونياً أم لا، يدل على فجوة ثقة هائلة بين المجتمع ومراكز القرار لكن السؤال الأهم هل يمكن للعراقي أن يستعيد الثقة؟
الإجابة ليست مستحيلة، لكنها مشروطة بخطوات واضحة وملموسة. أولاً، تعزيز دور القضاء والرقابة في محاسبة من يستغل المال العام أو المنصب الانتخابي لتحقيق مكاسب سياسية. ثانياً، منع استخدام مؤسسات الدولة كأدوات انتخابية، وتجريم استغلال الرعاية الاجتماعية أو السلاح أو نفوذ الأحزاب في التأثير على الناخب. ثالثاً، تمكين المرشحين المستقلين وفتح المجال للوجوه الجديدة عبر قانون انتخابي عادل يضمن منافسة حقيقية لا تقوم على المال السياسي فقط. رابعاً، تفعيل الإعلام الحر ليكون سلطة رقابية تكشف الخلل وتفضح الفساد بدل أن يكون أداة دعاية.
الثقة لا تُمنح بسهولة، لكنها تعود عندما يشعر المواطن أن صوته يمكن أن يُحدث فرقاً، وأن البرلمان القادم ليس امتداداً للماضي فقط، بل فرصة لتغييرٍ واقعي. العراقيون شعب واعٍ، وعندما يلمسون إصلاحاً حقيقياً في القوانين، ومحاسبة شفافة، ونتائج ملموسة على الأرض، سيعودون إلى صناديق الاقتراع بثقة وإيمان، لا بيأس وشك.
ختاما الديمقراطية لا تنهض بالشعارات، بل بالإصلاح، وحين يتحول صوت المواطن إلى سلطة حقيقية، عندها فقط يمكن القول إن الثقة بدأت تعود.






