آخر الأخبار
ألثقافة والفن

لهفةٌ تتجلى في لغةٍ لا تهدأ.. قراءة للنص الشعري (لهفةٌ لا تهدأ)

لهفةٌ تتجلى في لغةٍ لا تهدأ.. قراءة للنص الشعري (لهفةٌ لا تهدأ) للشاعرة بشرى سالم | حسين السياب
شاعر وباحث | عراقي

 

في هذا النص، تكتب بشرى سالم قوة الشعور لا بوصفه انفعالاً طارئاً، بل كحالة وجود متأججة تسري في اللغة وتعيد تشكيلها. منذ السطر الأول: “لم يتغير شيء/ ما زلتُ أحبك”، تُعلن الشاعرة ثباتاً عاطفياً يزداد اشتعالاً، كأن الحب هنا ليس زمنياً بل كينونة تعيد إنتاج نفسها كلما حاول العالم أن يخمدها.
تقول: “بل بأكثر لهفة”، فتفتح الباب لصوت شعري يختار التصعيد لا التكرار، والاشتداد لا الثبات.

الإحساس والمشاعر: اشتعال داخلي لا يبحث عن برهان:
تتحرّك القصيدة في نطاق العاطفة الصافية غير المواربة؛ فالشاعرة لا تُخفي ارتجافها، ولا تتبنى قناع الحكمة الباردة. إنها تُعلن الحب كقوة انتصار:
“كأن روحي عادت إلى زمن الانتصارات”.
إنها استعارة تكشف إدراكاً عميقاً أن العشق، حين يبلغ ذروته، يمنح الروح وهجاً يشبه لحظة العلوّ بعد معركة طويلة. إنه الإحساس الذي يتجاوز العاطفة ليصبح شعوراً بالعودة إلى الذات المنتصرة.

الحبيب بوصفه مركز إشراق:
“حين يضيء الكون برؤياك”.
هنا يتجلى تمكنها من بناء صورة شعورية تجمع بين الحميمي والكوني، بين التفصيل الشخصي والامتداد الواسع. إنها تكتب من المسافة التي يتقاطع فيها القلب مع العالم.

انسيابية النص.. موسيقى خافتة تتحرّك بثبات:
النص يجري بليونة، دون انكسارات لغوية أو مطبات إيقاعية، وذلك يرجع إلى:
1–جمل قصيرة تتقدم كنبضات قلب، لا كعبارات متكلفة.
2–استخدام ضمائر المخاطب ما يجعل الإحساس مباشراً، حياً ومتحركاً.
3–انتقال سلس من صورة إلى أخرى، من اليدين إلى العينين، من اللغة إلى القدر… وكل ذلك دون فواصل شعورية حادة.

لقد حافظت الشاعرة على نسق هادئ، لكنه مشحون، كأنها تمشي فوق نصل العاطفة دون أن تفقد توازنها.

تمكن الشاعرة.. وضوح الصورة وتماسك التجربة:
تكشف القصيدة عن قدرة واضحة لدى بشرى سالم على:
1–بناء الصورة العاطفية بتركيب بسيط وفعال:
“يداكا… لغة عربية”
صورة تختصر الكثير: الطمأنينة، الألفة، الانتماء، والعمق الثقافي، دون مبالغة.
2–الجمع بين رهافة الإحساس وقوة التعبير:
“كبرياؤك أسرٌ عذبٌ رغم صدك”
هذا البيت يكشف نضجاً في صياغة المفارقة، حيث يتحول الصد إلى جمال، والوجع إلى معنى.
3–خلق نهاية محكمة تعيد النص إلى مركزه العاطفي:
“أما عيناك فمدائنُ قدري ومرسى أمانيّ لا تنام”.
تنهي الشاعرة النص عند بؤرة الوجد:
العيون. لا تنام… أي أن الحنين هنا حارسٌ دائم، لا يغفو، ولا يهدأ.

الخلاصة:
(لهفة لا تهدأ) نصٌّ يكتب الوجد بوعي وهدوء، ويقدم عاطفة قوية دون انفعال زائد.
الشاعرة تمكّنت من التحكم في انسياب النص، وتوجيه الإحساس، وبناء صورة محكمة تصنع من الحب حالة نور، لا مجرد خفقة عابرة.

النص:

لهفة لا تهدأ..

لم يتغيّر شيء
ما زلت أُحبّك
بذات الجنون
بل بأكثر لهفة
كأن روحي عادت
إلى زمن الانتصارات
حين يضيء الكون برؤياك..
يداك… لغةٌ عربية
وكبرياؤك
أسرٌ عذبٌ رغم صدّك..
أما عيناك
فمدائنُ قدري
ومرسى أمانيَّ لا تنام…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى