آخر الأخبار
لقاءات وحوارات

حوار مع الأديبة نورة موافقي من الجزائر

حوار مع الأديبة نورة موافقي من الجزائر
حاورها كمال الحجامي

الأستاذة نورة موافقي
أستاذ رئيسي في مادة اللغة العربية
حاصلة على ليسانس في الأدب العربي من جامعة الجزائر
تتابع دراستها العليا في جامعة بوزريعة، حيث تُحضّر لشهادة الماستر في النقد الحديث و المعاصر، ضمن اهتمامها العميق بمناهج القراءة الحديثة وتحليل الخطاب الأدبي.
ولها إسهامات متعددة في مجالات الإبداع الأدبي، من القصيدة العمودية والنثرية، إلى الرواية والقصة القصيرة، مرورًا بأدب الطفل والنقد الأدبي.
صدر لها ديوان شعري بعنوان معارج اللوحة والحنين (2021)، وقصة للأطفال بعنوان حمرون (2023)، وقصة أخرى للأطفال بعنوان أبي بطلي (2024)، إضافة إلى كتاب نقدي بعنوان سيميائية قصيدة “البلابل يعتصر العنب” للشاعر علي ملاحي ، ورواية بعنوان نوار جويليه (2025)، ومجموعة قصصية بعنوان حين يزهر الرماد (2025)، وكتاب بعنوان رسائل إلى صاحب الظل، تحت الطبع.
تُوِّجت تجربتها الأدبية بعدّة تتويجات في مسابقات الشعر والقصة، وارتفعت حروفها على منصّات وطنية وعربية، لتؤكد أن الإبداع حين يُكتب بالصدق يصل بلا جواز سفر.

فأهلاً وسهلاً بكم أستاذتنا الكريمة في هذه الحوارية الماتعة.

السؤال 1:
تُعدّ القصيدة بمختلف أجناسها مرآةً عاكسةً لوجدان الإنسان، تعبّر عن الغزل والإيثار والقيم الإنسانية والحماسة وغيرها من العواطف. كيف تستوفين تلك المشاعر في قصائدك وتجعلينها ماثلة في وجدان المتلقي؟

الجواب:
القصيدة عندي ليست نصًا يُكتب، بل كائن يتنفس من أعماقي.
هي الحيز الذي تتسلل منه الروح حين تضيق بها أزقة الواقع،
والفضاء الذي أترك فيه وجعي وألمي وامتناني، فيتجسد كل ذلك في صور لغوية تنبض بالصدق.
أؤمن أن الشعر لا يُكتب بالحبر، بل بالنبض، لذلك يصل إلى المتلقي لا لأنه موزون، بل لأنه صادق.

السؤال 2:
كيف تولد فكرة القصة القصيرة لديك، خصوصًا في أدب الطفل، بحيث تأتي سهلة، سلسة، ممتعة، بعيدة عن الرتابة والملل؟

الجواب:
أنا أؤمن أن أدب الطفل ليس كتابةً للصغار فحسب، بل كتابة من القلب إليهم.
حين أكتب، أعود إلى داخلي لأُخرج تلك الطفلة التي ما زالت تسكنني،
أعيش طفولتي من جديد بين الأسطر، أركض مع أبطالي، أضحك معهم، وأتعلم منهم.
الكتابة للطفل بالنسبة إليّ رحلة صدق، لا تحتمل التكلّف ولا الزخرفة الزائدة.
ولهذا، حين تخطر لي فكرة قصة، أفتح باب خيالي على مصراعيه،
وأدع الدهشة تقودني كما يقود طفل فراشة نحو الضوء.
وفي كثير من الأحيان، أستشير تلاميذي الصغار، فهم مرآتي الأولى.
أشاركهم الفكرة، وأستمع إلى آرائهم حول الأحداث، بل حتى أسماء الشخصيات أختارها معهم.
أحب أن يشعروا أن القصة قصتهم، وأن خيالهم جزء من نسيجها.
القصة عندي لا تُكتب لتُدرَّس، بل لتُحب.
وحين يبتسم طفل بعد قراءتها، أعلم أنني لامست جوهر الأدب الحقيقي: البراءة حين تنطق بالحكمة.

السؤال 3:
هل تنتمين إلى مدرسة محددة في الكتابة؟ وإلى أي المدارس السردية يمكن أن ننسب اتجاهك؟

الجواب:
أنا لا أنتمي إلى مدرسة بقدر ما أنتمي إلى الدهشة.
أكتب حيث يقودني النص، لا حيث تحدد المدارس الإطار.
ربما أتماهى أحيانًا مع الرمزية، وأحيانًا مع الواقعية، لكن ما يهمني هو صدق التجربة وجمال البوح.

السؤال 4:
في قصص الأطفال، كيف تنتجين نصوصك السردية بحيث تظل قريبة من عالم الطفل، مفهومة وبسيطة دون أن تفقد عمقها التربوي والوجداني؟

الجواب:
أدخل إلى عالم الطفل دون أن أخلع ثوبي ككاتبة، ودون أن أرتدي قناعًا طفوليًا مزيفًا.
أكتب بعين الراشدة وقلب الطفلة التي لم تكبر بعد بداخلي.
أجعل من القصة مرآة يرى فيها الطفل ذاته، ويتعلم دون أن يشعر أنه يتعلم.

السؤال 5:
هل استطعتم ترجمة بعض نصوصكم إلى لغات أجنبية لتصل إلى القارئ الآخر، سواء كان طفلًا أو مبدعًا في مجاله؟

الجواب:
الترجمة حلم جميل أعمل عليه بخطى هادئة.
بعض النصوص تمت ترجمتها بجهود شخصية إلى الفرنسية والإنجليزية،
لكنني أؤمن أن اللغة ليست حاجزًا أمام الإحساس، فالنص الصادق يفهمه القلب قبل اللسان.

السؤال 6:
الرواية فضاء واسع تتنفس فيه الشخصيات وتتعدد فيه الرؤى. كيف دتنتقين شخوص رواياتك وتجعلينها نابضة بالحياة كأنها مشاهد فيلمية؟

الجواب:
الشخصيات لا أختارها، بل تختارني.
تأتي إليّ محمّلة بأوجاعها، تقف على باب الورق وتطلب أن تُروى.
أنا فقط أمنحها لسانًا لتتحدث، وعينًا لترى،
أما الروح فهي منبعثة من أعماق التجربة الإنسانية التي نحياها جميعًا.

من بين أعمالي الأدبية التي أعتز بها روايتي “نوار… ما لم تبح به شهرزاد”، وهي عمل حاولت من خلاله أن أزاوج بين أدب الرسائل والشعر العمودي، في تجربة فنية مختلفة تمزج بين السرد العاطفي المكثّف والبوح الشعري العميق.
سعيت عبرها إلى أن أقدّم نصًا تتقاطع فيه الحروف مع النبض، وتتحاور فيه اللغة مع الوجدان، ليولد عمل أدبيّ يستنطق الأنثى في بعدها الإنساني والروحي، لا بوصفها حكاية تُروى، بل كصوتٍ يتجاوز حدود القول المألوف.

السؤال 7:
في أجناس الشعر تتعدد المساحات الجمالية والتجريبية، فهل كانت لك تجربة في مجال الومضة الشعرية أو القصة القصيرة جدًا ضمن اهتمامك بالسرد والإبداع الأدبي؟

الجواب:
الومضة عندي ليست مجرد اختزالٍ لغوي، بل حالة وجودية، لحظة احتراق بين الفكرة والعاطفة.
هي برقٌ يلمع في ليل الكتابة، يقول الكثير في أقل عدد من الكلمات،
ويترك في النفس رجفة المعنى قبل أن ينطفئ صوته.
أنا أرى أن الومضة لا تختصر الفكرة، بل تفتح أفقًا جديدًا للتأمل،
وتجعل القارئ شريكًا في إعادة خلق النص، لأن المسكوت عنه فيها أبلغ من الكلام.

وفي مساري الإبداعي، خضتُ هذا اللون من الكتابة في الشعر والسرد،
فكتبتُ ومضاتٍ قصيرةً جدًا تحمل وجع الإنسان، ودهشة الروح، وبساطة الصورة.
منها القصة القصيرة جدًا بعنوان “أنقاض”، التي تقول:
صرخ بأعلى صوته فرحًا: أبي لقد وجدت حذاء أمي…
بينما كان والده يبحث بين الأنقاض عن قدميها…

وفي قصة أخرى بعنوان “شيخوخة”، اختزلتُ عمرًا في جملة: ضعف بصره؛ اتضحت الرؤية.
أما في الشعر، فكانت الومضة أكثر حميمية، أكثر رمزية، تقول:
أنا وأنت…
قطرة ماء…
جمعنا البحر…
وفرّقنا الموج…

هذه الومضات الصغيرة تشبه نبضاتٍ مختصرة من حياةٍ طويلة،
كل واحدة منها تحاول أن تلتقط لحظة إنسانية نادرة،
وتمنحها معنى يتجاوز اللغة إلى الصمت،
لأن الجمال في النهاية ليس في ما نقوله،
بل في ما يظل معلقًا بين الحرف والدهشة.

السؤال 8:
أحد النقاد المغاربة أضاف بحرين شعريين حديثين هما: الأنَاة والمتلقي. كيف تنظرين إلى هذه الإضافة في مجال الشعر؟

الجواب:
كل تجديد يُضيء طريق الشعر مرحّب به ما دام لا يطفئ جوهره.
الأنَاة والمتلقي مفهومان عميقان، فالشعر في جوهره حوار بين الصبر والإحساس،
بين من يكتب ومن يتلقى، وبين ما يُقال وما يُستشعر.

السؤال 9:
حدثينا أخيرًا عن نشاطاتك الأدبية القادمة.

الجواب:
ثمة أعمال كثيرة تنتظر أن ترى النور، وبعضها لا يزال في طور المراجعة والربط بين فصوله، كأنها أوراق تتريث لتُولد على مهل.
من بين هذه الأعمال مجموعة من الرسائل بعنوان رسائل إلى أنثى الغياب، وهي نصوص وجدانية تنبض بشيء من الفلسفة والحنين، تكتب المسافة بين الغياب والذاكرة بلغةٍ تُشبه الصمت حين يتكلّم.

كما أعمل على ديوان شعري في الشعر العمودي يحمل همّ اللغة الكلاسيكية في ثوبٍ معاصر،
وديوان آخر في القصيدة النثرية يتقاطع فيه الوجد والتأمل، ويبحث عن المعنى في هشاشة التفاصيل.

إضافة إلى ذلك، هناك مجموعة قصصية جديدة للأطفال بعنوان نجمة الحكايات،
فضلاً عن رواية جديدة : نوار الجزء 2 حيث تلامس جدلية الروح والزمن وتغوص في أعماق الإنسان.

أنا أؤمن أن الكتابة لا تنتهي بمؤلف يُنشر، بل تبدأ من جديد مع كل تجربة تولد من رحم أخرى.
هي حياة تتجدد على الورق، ومشوار من الضوء لا يعرف الانطفاء.

كلمة أخيرة:
في ختام هذه الحوارية التي جمعتني بكم على ضفاف الحرف،
أتوجّه بخالص الامتنان والعرفان إلى الأستاذ الحاج كمال الحجامي،
الذي أتاح لي هذه المساحة النبيلة لأبوح ببعضٍ من عوالم الكتابة وشغف الكلمة.
كما أخصّ بالشكر جريدة الأضواء العراقية على احتضانها هذا اللقاء،
وعلى ما تبذله من جهدٍ في خدمة الثقافة والأدب، وإضاءة دروب المبدعين في الوطن العربي.

إنّ الكلمة الصادقة لا تزهر إلا في تربةٍ يهيّئها النبل،
وهذه الجريدة كانت التربة، وكان الأستاذ الحاج كمال الماء الذي أنعش جذور البوح.

إلى قرّائي ومتابعي الحرف:
إليكم أنتم، الذين تُنصتون لنبض الكلمة كما يُنصَت لوشوشة المطر،
أنتم الذين تمنحون الحرف حياةً بعد أن يغادر القلم
لكم امتناني العميق، لأنكم الشهود على كل رحلة نصٍّ ودهشة بوح.

أنتم المرآة التي أرى فيها أثر ما أكتب،
والنبض الذي يُعيد للحروف معناها حين تتعب.
وجودكم حول نصوصي لا يُشبه المتابعة العادية
بل هو شراكة روحٍ مع روحٍ تبحث عن الجمال والصدق في عالمٍ مزدحم بالضجيج.

أقول لكم:
استمرّوا في القراءة، فالكلمة الجميلة ضوء،
ومن يحمل الضوء لا يضيع في عتمة الطريق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى