مايك سافايا.. بين معرفة الواقع ولعبة المصالح


مقالا تحليليلا بقلم الكاتب والخبير السياسي
حسن درباش العامري
مايك سافايا، عراقي المولد والنشأة والهوى. عرف دروب البلاد وممراتها كما يعرف راحة كفّه، وسبر أغوار الناس ودهاليز السلطة والسياسة كما لم يفعل غيره. عمل في مهنة لا يقترب منها إلا من تمرّس على اللعب في البيضة والحجر، فأجاد فنون التقدّم والتراجع، والمناورة والانسحاب في الوقت المناسب. خاض تجارب لا يجرؤ عليها كثيرون، ونجا من مطاردات لا تُحصى حتى غدا تاجرًا بأنواع الممنوعات كلّها، يعرف خيوط اللعبة من أولها إلى آخرها.
ولأنه ابن هذه الأرض، فلا يمكن أن تخفى عليه حقيقة بلدٍ اسمه العراق. يعرف أن فيه سنة وشيعة، مسلمين ومسيحيين، عربًا وأكرادًا، وأن كل فئة تحمل جراحها وهمومها. يدرك أن فقدان السنّة للسلطة جعلهم ينظرون بعين الغضب والحنين إلى ما يعتبرونه حقًا طبيعيًا ضائعًا، وأنهم مستعدون للتنازل عن كثير من مصالحهم إن كان ذلك يقربهم من الكرسي. فالكرسي في العراق ليس مجرد مقعد حكم، بل رمز للنفوذ والبقاء والكرامة.
ويفهم مايك جيدًا أن النظام الديمقراطي القائم على حكم الأغلبية يعني أن السلطة – واقعًا – ستكون من نصيب الشيعة، بحكم أغلبيتهم العددية. لكنه أيضًا لا يُنكر أن ما يصفه البعض بفشل الشيعة في الحكم ليس فشلًا مطلقًا، بل نتيجة طبيعية لعصيّ كثيرة توضع في دواليب الحكومة من قبل شركاء العملية السياسية أنفسهم، سنةً كانوا أم أكرادًا. فالكل يعيق، والكل يتهم، لكن لا أحد يعترف بدوره بالخراب .
كما يعرف أن الفساد في العراق ليس حكرًا على طائفة دون أخرى؛ فالسنة والكرد لا يقلّون فسادًا عن الشيعة، لكن الأضواء تسلّط على طرفٍ واحد لتبقى الأطراف الأخرى في الظلّ. وعندما يُلام الشيعة على قربهم من إيران، يُغفل أن هناك سُنّة أكثر التصاقًا بتركيا والسعودية ودول الخليج، وأكرادًا لهم خيوط ممتدة مع إسرائيل. إنها شبكة ولاءات متشابكة، لكل طرف ذيله الممتد نحو الخارج.
أما الولايات المتحدة، فهي لا تريد لإيران أن تتنفس في العراق، لأن وجودها القوي هناك يعني تمددًا لمحور الصين وروسيا، ما يهدد مصالح واشنطن في المنطقة. لذلك، تتعامل أمريكا مع العراق بسياسة التهدئة الحذرة؛ فلا تستفزّ الشيعة كثيرًا، لأن غضبهم كفيل بإشعال البلد وربما المنطقة كلها. فهم أصحاب عقيدة وصلابة، تختلف عن غيرهم ممن تحكمهم المصالح قبل المبادئ.
ومن خلال هذه المعادلة المعقدة، تُدار أمور العراق اليوم؛ خليط من التوازنات والمناورات، بين الداخل والخارج، بين العقيدة والمصلحة، بين الولاء والانتماء. وما يبدو ساكنًا فوق السطح، يخفي تحته غليانًا لا يهدأ. فالأيام القليلة القادمة، كما يقول مايك سافايا، حبلى بالأحداث، وستتمخض عن شيءٍ لا بد أن يولد… مهما تأخّر المخاض.






