العراق بين هيمنة الأمس واحتلال الغد: صرخة وطن نحو السيادة الكاملة


سعد محمد الكعبي
العراق اليوم يقف على حافة التاريخ من جديد لا بين حرب ولا سلم بل بين احتلال قديم لبس ثوبًا جديدًا اسمه الإدارة والنفوذ والسيطرة تحت غطاء الشراكة والدعم والإصلاح بينما الحقيقة أن اليد التي امتدت بحجة المساعدة هي ذاتها اليد التي تخنق القرار الوطني وتزرع الفتنة في كل زاوية من أرض الرافدين
الاحتلال لم يعد بالدبابة ولا بالصاروخ بل بالملف المالي والسياسي والاقتصادي وبالتحكم في النفط والبنك المركزي والقرارات السيادية حتى صار العراق أسيرًا في بلده والوصاية عليه تُدار من سفارة أو من مبعوث قادم من وراء البحار يقرر ما يجوز وما لا يجوز وكأن العراق لم يقدّم من الدم ما يكفي ليكتب اسمه بين الأحرار
لكن ما يزيد المرارة أن بعض من رفعوا شعار المقاومة والجهاد صاروا شركاء في الصمت بل في التسهيل صمتوا عن الهيمنة حين تقاسموها وتحول سلاحهم إلى وسيلة ضغط سياسي بدل أن يكون درعًا للكرامة الوطنية وتحوّل خطابهم إلى شعارات جوفاء بينما الواقع يقول إن من يتحدث عن السيادة وهو غارق في التبعية إنما يخون الفكرة قبل الوطن
اليوم لا نحتاج إلى صاروخ جديد ولا إلى فتوى جديدة نحتاج إلى وعي جديد وولادة عراق جديد عراق لا يخاف من الحقيقة ولا يساوم على سيادته ولا يطلب إذنًا من أحد ليقرر مصيره عراق يعرف أن قوته ليست في سلاح الفصائل ولا في بيانات الأحزاب بل في إرادة شعبه وفي كرامة مواطنيه وفي قدرته على أن يقول لا لكل من يحاول أن يجعله تابعًا أو ساحة لصراعات الآخرين
العراق الذي نحلم به ليس عراق الطوائف ولا المحاور ولا السفارات العراق الذي نريده عراق العدالة والعلم والعمل عراق الشباب لا العراق العاجز الذي يقتات على الفساد ويبرر التبعية العراق القادر على أن يبني اقتصاده بعرق أبنائه لا بقروض صندوق النقد ولا بتهديدات الدولار العراق الذي يعيد الاعتبار للمدرسة والمصنع والجامعة ويجعل السيادة فعلًا لا شعارًا
هذا ليس خطابًا عاطفيًا بل إنذارًا سياسيًا لكل من يظن أن الهيمنة يمكن أن تستمر فالتاريخ علّمنا أن الشعوب تصحو وإن تأخرت وأن العراق الذي واجه الإمبراطوريات لن يُحكم من إدارة أجنبية مهما تلونت المسميات ومهما تبدلت الوجوه العراق لا يُدار من واشنطن ولا من طهران العراق يُدار من بغداد ومن قلب الشعب الذي ملّ الذلّ والسكون
إلى كل القوى التي تدّعي المقاومة إن كنتم صادقين فالميدان ليس الجبهة فقط بل البرلمان والمؤسسات والإصلاح الحقيقي لا تكونوا عبيد المناصب بل رجال المواقف فالتاريخ لا يرحم والدم الذي سُفك في سبيل هذا الوطن لن يغفر لمن باع السيادة بثمن السلطة
وليعلم القادمون من وراء البحار أن العراق ليس صفحة في تقرير ولا قاعدة على خريطة العراق روح ترفض الانكسار أرض تنبت الشهداء والكرامة والعلم والوعي العراق اليوم لا ينتظر مخلّصًا بل يخلق خلاصه بإرادة أبنائه
إنها ساعة الصدق مع الذات فإما عراق السيد الحر أو عراق العبد المقيّد ولا خيار ثالث






