الله شاعر الكون والحسين مناجيه في حوار شعري خالد


سعد محمد الكعبي
في أعماق العلاقة بين الخالق وعبده، تكمن لغة تجمع بين الفن والروحانية، بين التعبير الشعري والصدق العاطفي، هذه اللغة هي لغة الشعر الإلهي التي تجلت في مناجاة الإمام الحسين عليه السلام وخطاب الله تعالى الردي عليه.
الله شاعر الكون ومهندس الوجود
قبل كل شيء، لا يمكن فهم هذا الحوار الشعري إلا إذا أدرنا أن الله هو شاعر الكون، فهو الذي ألهم الكائنات وأودع في كل ذرة موسيقى خاصة بها، وهو الذي نظم قوانين الوجود كمهندس ومعماري دقيق، صاغ العالم بحكمة وجمال متناهيين.
هذا الجمال الكوني هو قصيدة كونية تحيا في كل نبضة حياة، وفي كل حركة نجم، وفي كل سكون بين الأشياء.
مناجاة الحسين عليه السلام
في لحظة عميقة من الرجاء والتوسل، وقف الإمام الحسين عليه السلام أمام قبر جدته السيدة خديجة عليها السلام، وتحدث إلى ربه بكلمات تنضح بالصدق والوجدان، كلمات فيها مشاعر العبد المحتاج المتوكل على الله:
يا رب ، يا رب ، أنت مولاه
فارحم عبيدا إليك ملجاه
يا ذا المعالي عليك معتمدي
طوبى لمن كنت أنت مولاه
طوبى لمن كان خائفا أرقا
يشكو إلى ذي الجلال بلواه
وما به علة ولا سقم
أكثر من حبه لمولاه
إذا اشتكى بثه وغصته
أجابه الله ثم لباه
إذا ابتلى بالظلام مبتهلا
أكرمه الله ثم أدناه
هذه الأبيات تمثل صرخة روح، واستسلامًا للحكمة الإلهية، حيث يعلن الحسين توكله الكامل على الله، مدركًا محبته العميقة له، متوسلاً رحمته وفضله.
خطاب الله تعالى – رد الرحمة والحب
وجاء رد الله تعالى في حوار شعري بديع، يطمئن العبد بأن الله يسمع كل صوت، ويرقب كل دعاء، ويُجيب بلا تردد، محاطًا برحمته التي لا تنضب:
لبيك لبيك عبدي أنت في كنفي
وكلما قلت قد علمناه
صوتك تشتاقه ملائكتي
فحسبك الصوت قد سمعناه
دعاؤك عندي يجول في حجب
فحسبك الستر قد سفرناه
لوهبت الريح في جوانبه
خر صريعا لما تغشاه
سلني بلا رغبة ولا رهب
ولا حساب إنني أنا الله
في هذا الرد، يكشف الله عن عطفه المطلق، وقربه اللامحدود، مستجيبًا لكل ألم ونداء، دون قيود أو شروط، مؤكداً على المحبة التي لا تنتظر حسابًا أو رهبًا، بل تمنح بلا حدود.
هذا الحوار الشعري الرائع هو تأكيد على أن الله ليس فقط خالقًا ومهندسًا للكون، بل هو شاعر يتحدث بلغة القلوب، يلهم العباد، ويجيبهم بحنان مطلق.
وأن الإمام الحسين عليه السلام كان حاملًا لهذا الحوار الإلهي البهي، الذي يعبر عن أسمى درجات التوكل والإيمان والرجاء، بلغة شعرية تعانق الأرواح وتغذي القلوب.





