الانتخابات ليست ميداناً للمزايدات الأخلاقية


بقلم: الدكتور بسام عبدالله الهذال
في كل موسم انتخابي، تتكرر المشاهد ذاتها بأشكال مختلفة، إذ يظهر بعض أتباع المرشحين ليتخذوا من خطاب الشرف والكرامة وسيلة ضغط على الناخبين. فيُقال للناس: من لا ينتخب فلان فليس شريفاً، أو الانتخاب لمرشحنا موقف وطني لا يقبله إلا أصحاب المروءة. هكذا تُختزل العملية الانتخابية — التي هي حق ديمقراطي حر — إلى مسألة شرف شخصي وموقف عشائري أو اجتماعي.
هذا الأسلوب في الخطاب ليس جديداً، لكنه يعكس فهماً خاطئاً لمعنى الديمقراطية وحرية الاختيار. فالانتخاب ليس اختباراً للضمير أو الأخلاق، بل هو تعبير عن قناعة فكرية وبرنامج واقعي يراه الناخب مناسباً لمستقبل مدينته أو بلده. إن تحويل صناديق الاقتراع إلى مقياس للشرف والإخلاص إنما هو ابتزاز معنوي للجماهير، ومحاولة لإسكات صوت العقل واستبداله بالعاطفة والانتماء الضيق.
الخطير في هذه الظاهرة أنها تُفرغ العملية الانتخابية من مضمونها، وتُعيدها إلى دائرة الولاءات الشخصية والعشائرية، بدلاً من أن تكون منافسة في البرامج والكفاءات والنزاهة. فالمواطن الشريف حقاً هو من يمارس حقه في الانتخاب بحرية، دون خوف أو ضغط أو مساومة، ويضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار.
لقد آن الأوان أن ندرك أن الشرف لا يُقاس بورقة انتخابية، ولا الموقف الوطني يُختزل في اسم على ورقة اقتراع. بل يُقاس الشرف بالصدق في القول والعمل، والنزاهة في أداء الأمانة، والإخلاص في خدمة الناس، أيّاً كان موقع الإنسان.
إن بناء وعي انتخابي ناضج يبدأ من رفض مثل هذه الشعارات المضللة، ومن ترسيخ ثقافة تقول إن صوت الناخب أمانة لا مزايدة فيها، وحرية لا يُساوم عليها أحد.






