محافظ ميسان حبيب ظاهر الفرطوسي: استحقاق لمخاضات تاريخية


محافظ ميسان حبيب ظاهر الفرطوسي: استحقاق لمخاضات تاريخية
مرت محافظة ميسان/العمارة بمحطات تاريخية متعاقبة، كان طابعها العام المعاناة وشظف العيش، وتفشي الجهل والأوبئة، وسط غياب واضح للعدالة الاجتماعية وحرمان مزمن من التنمية والخدمات. فقد كُتب على هذه المدينة أن تظل بعيدة عن مراكز القرار، محرومة من أن يتولى أبناؤها إدارة شؤونها، رغم ما تزخر به من كفاءات وطاقات بشرية.
وما يثير الانتباه والتساؤل معًا، أن العمارة – بكل تاريخها وموقعها وأهميتها – لم تشهد تولّي شخصية عمارية لمنصب والي أو متصرف أو محافظ، لا في العهد العثماني، ولا في العهد الملكي، ولا حتى في عهد الجمهورية، حتى بات الأمر وكأنه قدر مفروض لا مفر منه.
لكن التاريخ لا يسير على وتيرة واحدة. فمع سقوط النظام البعثي، وانبثاق فجر جديد من رحم المعاناة، بدأت ملامح التغيير تتبلور في الأفق. ومن بين ركام الحروب والتهميش، بزغ الأمل، وبدأت الكلمة تنتقل إلى الشعب عبر صناديق الاقتراع، التي حملت إرادة الناس واختياراتهم بكل شفافية.
وفي هذا المخاض التاريخي الطويل، جاء اختيار الأستاذ حبيب ظاهر الفرطوسي محافظًا لميسان، ليكون من أوائل الشخصيات العمارية التي تتولى هذا المنصب الرفيع في محافظتها. لم يكن هذا التعيين مجرد إجراء إداري أو حالة عابرة، بل كان تتويجًا لنضال طويل، واستحقاقًا حقيقيًا لمرحلة من الوعي الجماهيري، والإصرار الشعبي على استعادة القرار وتمثيل الذات.
تولى الفرطوسي مسؤولية المحافظة وهو يدرك تمامًا حجم التركة الثقيلة التي ورثها من عقود الإهمال والتهميش، والبنى التحتية المهترئة، وواقع خدمي شبه معدوم. لكنه، مع ذلك، حمل الأمانة بإصرار المؤمن، وعزيمة من عاش وجع أهله، ليبدأ مسيرة الإصلاح والبناء، مستندًا إلى دعم شعبي واسع، وثقة منحته إياها صناديق الديمقراطية.
وقد كانت أولى خطواته بعد توليه المنصب هي إطلاق حملة شاملة لإعادة إحياء المشاريع المتلكئة، التي طالما ظلت حبيسة الأدراج أو رهينة الإهمال والفساد. فشرع بإكمالها واحدة تلو الأخرى، وأنجزها بكفاءة ملموسة، خاصة في قطاعات الطرق والجسور والمتنزهات، التي بدأت ملامحها ترسم واقعًا جديدًا في المحافظة، واقعًا لا ينكره إلا من في قلبه مرض أو غرض.
والجدير بالذكر أن المحافظ الفرطوسي لم يكتفِ بمعالجة تركات الماضي، بل عمل بإصرار على تبني مشاريع استراتيجية من شأنها أن تُحدث نقلة نوعية في حاضر ميسان ومستقبل أجيالها. فقد بذل جهودًا استثنائية في دفع مشروع مدينة الطيب الاقتصادية السياحية نحو مراحل متقدمة، واضعًا نصب عينيه تحويلها إلى مركز اقتصادي وسياحي واعد، يحمل آفاق تطور شاملة على المستويات الاقتصادية والخدمية والثقافية والاستثمارية.
كما أولى اهتمامًا بالغًا بضرورة فتح واستحداث منافذ برية دولية جديدة، كان آخرها منفذ جلات الحدودي، لتمكين ميسان من التواصل مع العالم الخارجي، خصوصًا عبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية، نظرًا لموقعها الحدودي المتميز، ولعدم امتلاك المحافظة لمطار أو ميناء بحري. فباتت هذه المنافذ بمثابة شرايين حيوية تربط ميسان بالأسواق الإقليمية والدولية وتكسر عزلتها المزمنة.
لقد أصبحت ميسان، بفضل هذه الرؤية الشاملة، تطرق أبواب العالم الحديث، وتمهّد لنفسها طريقًا نحو دور اقتصادي وريادي لم تألفه من قبل. ويكفي أن نُمعن النظر لنلمس الفرق، ونُدرك حجم العمل، ونُقدّر المسؤولية التي تحمّلها هذا الرجل في وقت دقيق من تاريخ المحافظة.
وهنا لا بد أن نستحضر قول الله تعالى:
“ولا تبخسوا الناس أشياءهم”،
فلا يجوز إنكار العمل الجاد، ولا يليق التغافل عن الجهود الصادقة التي تُبذل لأجل الناس والوطن، إلا ممن أعماه الحقد أو أقعده الهوى.
إن وصول ابن العمارة إلى سدة المحافظة لا يُعد مجرد انتصار شخصي أو سياسي، بل هو انتصار لتاريخٍ صبر طويلًا، ولمحافظة آن لها أن تُنصف، ولشعبٍ لم يفقد الأمل رغم كل شيء.