حوارات مع المبدعين


حوارات مع المبدعين
الضيف: عباس علي الخيگاني – شاعر وكاتب
البلد: جمهورية العراق
إعداد وحوار: كمال الحجامي
في إطار سعي “حوارات مع المبدعين” إلى تسليط الضوء على الأصوات الأدبية والفكرية المتميزة في الوطن العربي، نستضيف اليوم الشاعر والكاتب عباس علي، أحد الأصوات التي برزت بقوة من محافظة كربلاء، بأسلوب رمزي فلسفي يتجاوز الأطر التقليدية، ويمزج بين الشعر والفكر في قالب جمالي مقاوم للابتذال
كتب في الشعر، الرواية، المقال، والسرد، ونشرت نصوصه في العديد من المنصات والمجلات، وشارك في فعاليات وملتقيات داخل العراق وخارجه كما عمل محررًا ثقافيًا في بعض المجلات
من أعماله: ليالي سيزيف، منافي العاشق الأخير، فاجعة في بلادي، وغيرها
1. يسهم الواقع الثقافي حراكًا مبدعًا في إسهاماتك الأدبية المتعددة، حيث ظهرت نهضة فكرية في السنوات الماضية من خلال الملتقيات المختلفة. كيف ترى هذا التحول سواء في العراق أو خارجه؟
أعتقد أن الثقافة ليست ترفًا، بل مقاومة ذكية ضد العدم والتهميش الملتقيات الثقافية ساعدتني على تجاوز العزلة التي فرضها الواقع، وخلقت نوعًا من الحوار الحيّ بين التجربة الشخصية والتجارب الأخرى هذا التفاعل أسهم في إعادة تشكيل الوعي الأدبي، ليس فقط داخل العراق، بل في امتداداته العربية، حيث صار للأديب صوت في مواجهة النسيان
2. إسهاماتك المتنوعة في الشعر، النقد، والرواية، كيف تحوّل هذا التنوع إلى نقطة قوة في التأثير على القارئ؟
أكتب من الداخل، من عمق التجربة لا من سطحها، لذلك أرى أن التنوع لا يُشتت، بل يُكثّف. أتنقّل بين الأجناس الأدبية كمن يفتّش عن صوته، عن السؤال الحقيقي الذي يلحّ عليه القارئ الذكي لا يبحث عن شكلٍ ثابت، بل عن صدق، عن فكرة تشبهه أو تجرحه أو تُنقذه لذلك أحاول أن أقدّم ما يلامس الروح لا القالب
3. تطوّر الشعر كثيرًا في دلالاته وسحر بلاغته، فصار يحاكي المثقف العربي برؤى قريبة من مستواه الذهني.. كيف ترى هذا التحول؟ وهل فقد الشعر بساطته؟
نعم، تطوّر الشعر على مستوى الشكل والرؤية واللغة، وهذا أمر طبيعي في أي فن حيّ. لكن بكل صراحة، لست مقتنعًا بكثير من النصوص الحديثة التي تُكتب تحت لافتة الحداثة بعضها سطحي إلى درجة مخجلة، يخلو من الشعر تمامًا، لا يحمل فكرة ولا صورة ولا إحساس مجرد تراكيب فارغة تُسمى قصائد لكن رغم هذا، هناك نصوص حقيقية، تشبه الضوء في العتمة، تحمل رمزية عميقة، وحسًا فلسفيًا، وتُجيد إنقاذ الشعر من الوقوع في الابتذال هذه النصوص أتمسك بها، وأؤمن أنها تمثل جوهر الشعر الحديث، لا زخرفته
4. الساحة الأدبية العربية مليئة بالأسماء اللامعة من مصر والعراق والمغرب.. هل ترى أن هناك بصمات جديدة للأديب العراقي؟ وهل هناك تفكير بترجمة أعمالك؟
الأديب العراقي يحمل تراكمًا وجوديًا معقّدًا، صنعته الحروب، المنافي، والخذلان، ولهذا تأتي كتاباته مشبعة بالألم والبحث عن الخلاص نعم، هناك بصمات عراقية مبهرة في الساحة اليوم، لكن التحدي الحقيقي هو الوصول للعالمية الترجمة ضرورة، لا رفاهية. صحيح أني لم أبدأ بعد بترجمة رسميّة، لكنني أفكر بذلك، فالمشاعر العراقية والإنسانية المشتركة تستحق أن تُروى للعالم بلغاته المختلفة
5. هل تنتمي إلى مدرسة محددة في الشعر أو السرد؟ وإلى أي تيار تقترب؟
أنا لا أؤمن بالانتماء المغلق، بل أؤمن بالتجريب والحرية. تأثرت طبعًا بكبار الشعراء، من درويش إلى الماغوط، كما لا يمكنني إنكار أثر الشاعر الكبير جابر الكاظمي على وجداني، فهو أحد الأصوات التي حملت الشعر الحسيني إلى مرتبة الوجع النقيّ والصرخة الصامتة. تأثّري به لا يقتصر على المنبر، بل يمتد إلى فهمي لدور الشعر في مواجهة الظلم والانتصار للإنسان أبحث عن صوتي الخاص، عن جرح له لغته في السرد أميل إلى الرمزية العميقة، أُحبّ الروايات التي لا تُروى من أجل الحكاية فقط، بل تلك التي تنبش في أسئلة الوجود، في العلاقات المكسورة، وفي ما وراء الظاهر وأكتب حاليًا رواية جديدة وصلت فيها إلى الفصل الرابع، ما زالت بلا عنوان، لأنني أؤمن أن بعض الأسماء تأتي متأخرة كالحكمة
6. كربلاء ليست فقط مدينة مقدسة، بل هي فضاء ثقافي أيضًا. كيف تنظر إلى جيل الشباب الأدبي فيها؟ وهل من دور لاحتضانهم؟
في كربلاء شباب مدهشون، يحملون أقلامًا جريئة وأحلامًا حقيقية، لكن ما ينقصهم هو الدعم والتوجيه والفرصة. أؤمن أن علينا نحن الجيل الذي سبقهم أن نمهد لهم الطريق، لا أن نحتكره أشارك في ورش وملتقيات وأدعم النصوص الجديدة بكل حب، لأن مستقبل الأدب لن يُكتب بدون هذا الجيل، فهم الامتداد الطبيعي لأي مشروع إبداعي حقيقي
7. هل لديك مشروع لإنشاء صالون ثقافي حقيقي على أرض الواقع بعيدًا عن العالم الافتراضي؟
بلا شك الفضاء الافتراضي مهم، لكنه لا يعوّض حرارة اللقاء الإنساني. الصالون الثقافي مشروع أتمناه وأفكر فيه جديًا، لأنه ضرورة لبناء جسر بين المبدعين، وخلق فضاء حرّ للحوار، والتجريب، والمواجهة الثقافية. أريد مكانًا نتحاور فيه لا عن النص فقط، بل عن الألم والمعنى والهوية والضياع، عن الإنسان فينا، قبل الكاتب.