فن الاستفهام الراقي.. معراج التشافي لحاضنات المودة والرحمة.


الدكتور علاء صابر الموسوي.
ليس السؤال مجرّد أداة للحصول على إجابة ، بل هو فن رفيع ، ولغة إنسانية سامية قادرة على بناء الجسور وتضميد الجراح. ففي خضم علاقاتنا اليومية ، حيث تتشابك مشاعر المودة والرحمة ، يصبح فن الاستفهام الراقي مفتاحًا سحريًا يفتح أبواب الفهم والتعاطف ، ويحوّل الحوارات العابرة إلى جلسات تشافٍ عميقة تعيد للروح طمأنينتها
السؤال الراقي ليس بحثًا عن معلومة ، بل بحث عن قلب.
الاستفهام.. أكثر من كلمات !!
الاستفهام الراقي ليس بحثًا عن معلومة سطحية ، بل هو بحث عن الإنسان خلف الكلمات . هو أن تسأل لا لتُحاسب ، بل لتفهم . ليس أن تقول: (لماذا تأخرت؟) بلهجة عتاب ، بل أن تسأل : (هل كل شيء على ما يرام؟ يبدو عليك التعب.) هنا يتحول السؤال من أداة للوم إلى رسالة اهتمام ، ومن تحقيق بارد إلى حضن دافئ.
حين نسأل برفق ، نفتح نوافذ للروح.
في حاضنات المودة !!
في العلاقات التي تُبنى على المودة ، يصبح السؤال غذاءً للقلوب ، وماءً يروي جذور الثقة . حين تسأل شريكك عن تفاصيل يومه ، أو تستفسر عن أحلامه وطموحاته ، فأنت لا تبحث عن سرد يومي عابر ، بل تؤكد له أنه حاضر في قلبك وفكرك . تلك الأسئلة الصغيرة تصنع مع الوقت بيتًا من الأمان النفسي ، يطمئن فيه الطرفان إلى أن هناك من يصغي باهتمام ويحتضن بصدق.
السؤال الصادق بذرة تنبت شجرة ثقة.
في فضاءات الرحمة !!
وحين يتعلق الأمر بالرحمة ، يتحول السؤال إلى دواء روحي يخفف آلام الآخرين . قد يكون مجرد سؤال مثل : (كيف يمكنني أن أكون بجانبك الآن؟) أو (هل ترغب أن تشاركني ما يثقل قلبك؟) بمثابة يدٍ حانية تمتد وسط العاصفة . هذا النوع من الاستفهام لا يفرض حلولًا ولا يقدم أحكامًا ، بل يفتح مساحة آمنة للتعبير ، ويقول بصوت غير منطوق : (لست وحدك.)
السؤال الرحيم دواء يسبق الدواء.
البعد التربوي والإنساني !!
الطفل الذي يُسأل عن مشاعره وأفكاره ينمو وهو يشعر بقيمته ، ويتعلم الإصغاء والاحترام . والتلميذ حين يُسأل بلطف عن فهمه للدرس يكتشف أن التعليم ليس تلقينًا بل شراكة . حتى في بيئة العمل ، فإن السؤال الراقي عن هموم الزملاء أو رؤاهم يخلق روح الفريق ويُذيب الحواجز.
اسأل ابنك بحب ، تزرع في داخله إنسانًا محبًا.
نحو مجتمع يتشافى !!
الاستفهام الراقي هو فعل حضاري قبل أن يكون فعلًا فرديًا . إنه يدعونا إلى التوقف عن إصدار الأحكام السريعة ، وإلى الإصغاء بقلوبنا قبل آذاننا . حين نمارسه ، نؤسس لمجتمعات متراحمة ، تُعلي قيمة الإنسان لا موقعه أو مظهره . مجتمع يُسأل فيه المرء بصدق: (كيف حالك حقًا؟)، هو مجتمع يمهد لبذور السكينة والطمأنينة.
المجتمع الذي يُحسن السؤال ، هو المجتمع الذي يُحسن العيش.
كلمة أخيرة!!
فلنستعيد هذا الفن في لغتنا اليومية ، ولنجعل من أسئلتنا جسورًا للقلوب لا جدرانًا للعتاب . فـالاستفهام الراقي هو مرآة رحمة ، ومفتاح مودة ، ومعراج تشافٍ يرفع الإنسان إلى إنسانيته الكاملة.