إبادة بلا حدود


كتب رياض الفرطوسي
ما يحدث في غزة اليوم يتجاوز حدود اللغة، ويتخطى قدرة القانون على التوصيف. فالمجازر التي ترتكبها آلة الاحتلال ليست مجرد قتل متعمد أو تهجير قسري، بل هي مشروع اقتلاع كامل للحياة، وكأن الهدف أن تُمحى هذه البقعة من الوجود.
هنا لا يُستهدف الإنسان وحده، بل كل ما يمده بأسباب البقاء: المنازل تُهدم، المدارس تُمحى، الأشجار تُقتلع، والحيوانات والطيور تُباد. حتى الهواء والبحر والذاكرة لم يسلموا من الحصار والدمار. إنها ليست حرباً على بشر فقط، بل حرب على فكرة العيش ذاتها.
القانون الدولي، ممثلًا في اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، انشغل بحماية الإنسان كفرد ضمن جماعة، لكنه لم يتخيل أن الشر قد يصل يوماً إلى حد تدمير شروط الحياة نفسها. ما يحدث في غزة ليس “إبادة جماعية” بالمعنى القانوني فحسب، بل “إبادة شاملة” تُفرغ المكان من الحياة وتجعله غير صالح للسكن.
الأمم المتحدة، التي وُلدت تلك الاتفاقية تحت سقفها بعد الحرب العالمية الثانية، تبدو اليوم عاجزة عن حماية بند واحد من نصوصها. قراراتها كثيرة، لكن تأثيرها ضعيف، ونتيجتها صفر أمام مشهد مدينة تُمحى عن بكرة أبيها.
إن غزة اليوم لا تكشف فشل السياسة فقط، بل انهيار المنظومة الأخلاقية والقانونية للعالم. حين تتحول الإبادة إلى حدث يومي يراه الجميع ولا يوقفه أحد، يصبح الصمت مشاركة، ويغدو العجز جريمة.
غزة ليست مجرد مدينة تحت النار، إنها مرآة تعكس عجز النظام الدولي، وتفضح خواء العدالة، وتضع الإنسانية أمام سؤال وجودي: ماذا يبقى من إنسانيتنا إذا صمتنا على إبادة بلا حدود؟