آخر الأخبار
ألمقالات

سوء توزيع الثروات في العراق: قراءة اقتصادية-اجتماعية

24..بغداد

يُعدّ العراق من الدول الغنية بالموارد الطبيعية، إذ يحتل المرتبة الثانية في منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) من حيث الصادرات، باحتياطي مؤكد يتجاوز 145 مليار برميل من النفط، وهو ما يعادل نحو 9% من الاحتياطي العالمي. كما يمتلك موارد مائية وزراعية كبيرة، وموقعاً جغرافياً استراتيجياً يربطه بالأسواق الإقليمية والدولية. ومع ذلك، يُصنَّف العراق من بين الدول التي تعاني من ارتفاع نسب الفقر والبطالة، الأمر الذي يشير إلى وجود خلل بنيوي في توزيع الثروات وإدارتها.

أولاً: المؤشرات الاقتصادية الكلية

  1. الناتج المحلي الإجمالي: بلغ الناتج المحلي الإجمالي للعراق نحو 267 مليار دولار في عام 2023 (البنك الدولي).

  2. الاعتماد على النفط: يشكل النفط أكثر من 92% من إيرادات الموازنة العامة، فيما تساهم القطاعات غير النفطية بأقل من 8% فقط من الناتج المحلي.

  3. معدلات الفقر: تشير بيانات وزارة التخطيط العراقية لعام 2022 إلى أن نسبة الفقر تجاوزت 25% على المستوى الوطني، وترتفع إلى أكثر من 35% في بعض المحافظات الجنوبية مثل المثنى والديوانية.

  4. البطالة: تقدّر منظمة العمل الدولية معدل البطالة في العراق بحوالي 16% عام 2023، وترتفع النسبة بين الشباب إلى أكثر من 27%.

ثانياً: جذور سوء توزيع الثروة

  1. المحاصصة السياسية: أدّى نظام تقاسم السلطة بعد 2003 إلى هيمنة الأحزاب على موارد الدولة وتوجيهها بما يخدم مصالحها السياسية، على حساب العدالة الاجتماعية.

  2. الفساد المالي والإداري: يحتل العراق المرتبة 154 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 (منظمة الشفافية الدولية). وتشير تقارير رسمية إلى أن حجم الأموال المهدورة أو المسروقة منذ 2003 يتجاوز 400 مليار دولار.

  3. التفاوت الجغرافي: على الرغم من أن محافظة البصرة وحدها توفر أكثر من 70% من صادرات النفط العراقي، فإنها تعاني من نسب فقر تصل إلى 30%، إضافة إلى أزمات خدمية مزمنة في الكهرباء والمياه والصحة.

ثالثاً: مظاهر عدم العدالة في التوزيع

تركز الثروة بيد أقلية سياسية واقتصادية، فيما يعيش أكثر من 12 مليون عراقي تحت خط الفقر.

ضعف الإنفاق التنموي: نحو 70% من الموازنة العامة يذهب إلى الرواتب والدعم التشغيلي، فيما تقل مخصصات الاستثمار والتنمية عن 20%.

الفجوة بين المركز والمحافظات: المحافظات المنتجة للنفط لم تحصل على استحقاقاتها من “البترودولار” بشكل كامل، رغم تشريع القانون منذ أكثر من عقد.

رابعاً: التداعيات الاجتماعية والسياسية

تصاعد الاحتجاجات الشعبية: مثل تظاهرات تشرين 2019 التي طالبت بتوزيع عادل للثروة والوظائف.

هجرة الكفاءات: تشير تقديرات نقابة الأطباء إلى أن أكثر من 20 ألف طبيب عراقي غادروا البلاد منذ 2003.

تآكل الثقة بالمؤسسات: تزايد الفجوة بين المواطن والدولة، ما يضعف الاستقرار السياسي والاجتماعي.

خامساً: مقترحات للمعالجة

  1. تنويع الاقتصاد عبر الاستثمار في الزراعة والصناعة والطاقات المتجددة لتقليل الاعتماد على النفط.

  2. إصلاح النظام المالي وتطبيق مبدأ العدالة في توزيع الموازنات بين المركز والمحافظات.

  3. تعزيز الشفافية من خلال رقابة برلمانية وقضائية مستقلة وتفعيل قوانين مكافحة الفساد.

  4. برامج للعدالة الاجتماعية تستهدف الفئات الهشة عبر شبكات ضمان اجتماعي فعّالة.

  5. اعتماد سياسات ضريبية تصاعدية تحد من الفجوة الطبقية.

الخاتمة

إن المفارقة بين غنى العراق بالموارد وارتفاع نسب الفقر والبطالة تعكس خللاً هيكلياً في إدارة وتوزيع الثروة. ويُظهر التحليل أن السبب لا يكمن في نقص الموارد، بل في غياب الحوكمة الرشيدة والشفافية، وتغليب المصالح السياسية على المصلحة العامة. ولعلّ وضع سياسات اقتصادية شاملة وعادلة هو السبيل لضمان تحويل الثروة الوطنية إلى تنمية بشرية مستدامة بدلاً من أن تكون مصدراً للأزمات.

البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي
مرشّح مستقل
قائمة البديل (250)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى