ازدواجية المجتمع ….. بين توقير الجاهل والتقليل من شأن العالم


بقلم / الدكتور وليد حسن حميد الزيّادي
سأتحدث لكم هذه المرة بأسلوب يكاد يكون قصصياً بعض الشيء، إذ شاهدتُ بأمعيني أن بعض أبناء المجتمع في أحد المؤتمرات التي شاركت فيها، تعاملوا مع عالموأجلسوه في الصفوف الأخيرة غير آبهين بمكانته العلميةالفذة، بينما استقبلوا أحدطلبته الفاشلين أيّما استقبال وأجلسوه في الصف الأول مع تعظيم لشأنه يصاحبهاهتمامٍ بالغ كونه مُتسنماً لمنصب سياسي في إحدى المحافظات، وهذا في حقيقة الأمرمؤلم ولكن الأشد إيلاماً انهم اخذوا يُبالغون في توقيره وإبداء الخضوع له ولا أدريلِمَ؟، لسوء حظهم وعدم حسن تصرفهم أم لسوء الصدفة التي أتت به لهذا الموقعالسياسي، أم لتدني قدرنا وتراجع مستوانا بين الامم بعد أن كُنا في المقدمة ويُشار لنابالبنان؟؛ فشعبنا كان يُضاهي شعوب العالم أجمع في منتصف القرن المنصرم، وقبلذلك تاريخه حافل بالكثير من الشواهد منذ مطلع الألفية الأولى قبل الميلاد، إذ كنانحترم المتعلم أشد احترام فما بالك بالعالم.
وهنا أود القول: إنَّ (الباري عز وجل) قد رفع أهل العلم، إذ قال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوامِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. واستشهد بهم على أعظم مشهودعليه وهو توحيده وإخلاص الدين له: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُواْ الْعِلْمِقائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} [آل عمران:18]. وفي هذه الآية دليلٌ علىفضل العلم، وشرف العلماء وفضلهم؛ فإنه لو كان أحدٌ أشرفَ من العلماء، لقَرَنَهم اللهباسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء”.
علاوةً على ذلك أنّ الله ميّز العلماء ورفعهم على سواهم فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَيَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9]. وكونهم أهل الخشية لله: قال {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَمِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]؛ فاحترام العلماء هو احترام لما يحملونه من العلم.
ومن بعده هدد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلموتوعد من لم يعرف للعلماءحقهم قائلاً: (ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه)، وليسذلك فحسب بل أن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) أكد على مجموعة منالصفات التي ينبغي أن تتوافر في من يَجلِسُ في بداية المجلس، إذ قال (لا يجلس فيصدر المجلس إلا رجل فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سئل، وينطق إذا عجز القوم عنالكلام، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهوأحمق).
وهنا أجد لزاماً عليّ أن أستشهد ببعض الأبيات التي وردت على لسان سيد البلغاءوالمتكلمين علي ابن أبي طالب (عليه السلام)
مَا الْفَضْلُ إِلَّا لِأَهْلِ الْـعِلْمِ إِنَّهُمُ
عَـلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْــتَهْدَى أَدِلَّاءُ
وَوَزْنُ كُلِّ امْرِئٍ مَـا كَانَ يُحْسِنُهُ
وَالْجَـاهِـلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ
فَـفُـزْ بِـعِـلْـمٍ وَلَا تَجْهَلْ بِهِ أَبَدًا
النَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ
وقال الإمام الحسن بن علي عليهما السلام: (إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها “قيل: يا ابن رسول الله ومن أهلها؟ قال: “الذين قص الله في كتابه وذكرهم، فقال:“ إنمايتذكر أولوا الألباب “ قال: هم أولوا العقول).
ولهذا أعتقد لا بل أُجزم أنَّ مَنْ لَم يُوقّر العُلَماء فقد استجلب لنفسه رديء الأوصاف،وحملها أبشع المثالب، وأبتعد بها عن أفضل المناقب.
يتبدى مما تقدم نحن أمام حقيقة لا مفر منها تتمثل بأن أحد الأسباب الحقيقية التيتقف خلف تأخر المجتمعات هو إعطاء الجاهل مكانةً وأَهميةً على حساب العالم، وهذامدعاة لعدم رُقي المجتمع وتأخرهُ وعدم التحاقهبركب الأمم والمجتمعات المتقدمة.