حين يتاجر السياسي بدموع الناس


بقلم / عامر جاسم العيداني
بين دموع الضحايا وصخب المنابر يجد بعض الساسة في الكوارث فرصتهم الذهبية للتسقيط وكسب الأصوات.
في كل دورة انتخابية يزداد مشهد الاستغلال السياسي في العراق وضوحًا حيث تتحول الحوادث المدنية من حريق مستشفى إلى حادثة انتحار أو انهيار بناية إلى وقودٍ في معركة التسقيط بين الخصوم وما أن تقع مأساة حتى يسارع بعض الساسة إلى الظهور أمام الكاميرات أو على صفحات التواصل الاجتماعي ليس لتعزية الضحايا أو البحث عن حلول بل لاقتناص فرصة جديدة يوجّهون من خلالها سهامهم نحو منافسيهم.
هذا السلوك يكشف عن خلل جوهري في الثقافة السياسية السائدة، إذ تتحول معاناة الناس إلى مادة انتخابية، تُستخدم فيها لغة المظلومية أو المزايدة وكأن المواطن مجرد أداة في حرب النفوذ فبدل أن يُطرح ملف إصلاح البنى التحتية بعد حادثة انهيار جسر أو معالجة سوء الإدارة بعد كارثة خدمية نرى من يسعى لاستثمار الدمعة والدمار في تسجيل نقاط سياسية.
الأمثلة على ذلك كثيرة ..حين شبّت النيران في مستشفى مخصص لمرضى الوباء قبل أعوام تحولت الكارثة إلى مادة إعلامية يتبارى فيها البعض في تحميل المسؤولية للوزير أو المحافظ لا بدافع المحاسبة الجادة بل رغبة في كسب جمهور انتخابي غاضب.
وفي حادثة غرق عبّارة انشغل بعض النواب والسياسيين بمهاجمة خصومهم المحليين أكثر مما انشغلوا بإنقاذ الضحايا أو وضع معالجات تمنع تكرار المأساة.
وحتى على مستوى الحوادث الفردية كقضايا الانتحار أو جرائم القتل الغامضة نجد من يحوّلها إلى منصة للتشهير والاتهام والاصطفاف السياسي.
إن خطورة هذا النهج لا تكمن فقط في الإساءة إلى الخصوم بل في تكريس حالة فقدان الثقة الشعبية بالعمل السياسي برمته ، فحين يرى المواطن أن كل مأساة تتحول إلى دعاية انتخابية وأن كل جريمة أو حادثة تُستغل لتصفية الحسابات فإنه يزداد قناعة بأن الطبقة السياسية بعيدة عن همومه وأن مصائبه لا تعنيهم إلا بقدر ما تخدمهم في صناديق الاقتراع.
السياسة الرصينة تُقاس بقدرة النائب أو المسؤول على تحويل الكارثة إلى مشروع إصلاح وتحويل الألم إلى تشريع يحمي الناس مستقبلاً ، أما من يكتفي بتسجيل النقاط على خصومه فإنه يضيف جرحًا جديدًا إلى جراح المجتمع ويحوّل الديمقراطية إلى ساحة مزايدات فارغة.
إن استغلال الحوادث المأساوية لأغراض انتخابية هو وجه آخر لغياب الأخلاق في العمل السياسي ، وإذا استمر هذا النمط فلن يكون المواطن ضحية الكارثة وحدها بل ضحية لعبة سياسية لا تعرف حرمة لموت أو مصيبة.
ولهذا فإن مسؤولية الناخب في الانتخابات المقبلة تكمن في رفض هؤلاء الذين يتاجرون بالمآسي ومحاسبتهم عبر صناديق الاقتراع حتى يدرك السياسي أن الدم العراقي ليس ورقة دعاية وأن الكارثة لا يمكن أن تكون سلعة انتخابية.




