آخر الأخبار
ألمقالات

المعركة الثقافية وأصوات الأحرار

 

كتب رياض الفرطوسي

في زمنٍ امتلأت فيه القاعات بالأضواء والأغاني المعلّبة، ينبعث صوتٌ آخر من بين حناجر الفنّانين الأحرار، صوتٌ لا يتلوّن ولا يُشترى. صوتٌ يقول: «هناك شعبٌ يُباد على مرأى العالم، فمن يملك الجرأة ليصرخ؟».

لم يعد الفن في الغرب رفاهية تتسلى بها الجماهير، ولا مجرد استعراض أزياء أو إيقاعات صاخبة. ثمة موجة جديدة تتشكّل في المسارح والساحات، حيث يعلو الهتاف باسم الحق، ويتحوّل اللحن إلى سلاح ضد التعتيم والنفاق.

فلسطين، تلك الكلمة التي كانت تُقال همساً خشية العواقب، صارت اليوم على ألسنة الموسيقيين، والرسامين، والشعراء، صارت لافتة تُرفع في المهرجانات، وإيقاعاً يهزّ الجماهير، ودمعة تختنق في الحناجر. ليس لأن فلسطين وحدها تتألّم، بل لأنها باتت رمزاً لكل الحقائق الممنوعة، وكل الدماء التي يحرص الأقوياء على إخفائها وراء الستائر الوثيرة للمؤتمرات والدبلوماسية.

هؤلاء الفنانون الذين يهتفون لفلسطين لا يفعلون ذلك بدافع الإثارة أو ادّعاء البطولة، بل لأنهم يعرفون أن الصمت جريمة، وأن الفنّ إذا لم يتحوّل إلى ضمير حيّ، يصبح ترفاً رخيصاً لا قيمة له. إنهم يرفضون أن يكونوا مجرد ديكور يجمّل وجه السلطة، أو أصواتاً تدغدغ مشاعر الناس دون أن تجرؤ على فضح القتلة.

إن ما نشهده اليوم في الغرب هو معركة ثقافية حقيقية. ليست تمرداً شكلياً كالذي اجتذب الأضواء يومًا بألوان الشعر الغريبة أو بصيحات الحرية الفردية. بل تمردٌ يريد أن يهزّ أركان السردية الرسمية، ويُعيد تعريف العدو والحليف، والخير والشر.

لقد تزعزعت الثقة في الروايات الجاهزة، بعدما صار الدم يُبث حياً على شاشات الهواتف، وصار القتل يُرتكب باسم «الدفاع عن النفس»، فيما تُدفن الحقيقة تحت ركام الأبراج المهدّمة. هنا يصبح الفن، مهما بدا بسيطاً، طلقةً في صدر التزييف.

ولهذا يلاحقون أصوات الأحرار، يضيّقون عليهم، يُغرّبونهم عن المنصات والقاعات. ليس خوفاً من موسيقاهم، بل خوفاً من الأسئلة التي يطرحونها: من يملك الحق في الحياة؟ من يملك الحق في الوطن؟ ولِمَ يظل القاتل حراً إذا كان حليفاً قوياً؟

إنها معركةٌ لم يعد الفن فيها حيادياً. فإما أن يكون شاهد حق، أو يصبح أداة تبرير وستر. وأصوات الأحرار، التي ارتفعت لتقول: «فلسطين على حق»، لم تعد أصواتاً معزولة. إنها نبض ضميرٍ عالمي بدأ يستعيد شجاعته، ويؤمن أن أغنية صادقة قد تكون أبلغ من ألف خطاب سياسي.

فالفن حين ينحاز إلى الحقيقة، يصبح ذاكرةً للإنسانية، ويصبح سلاحاً لا يُهزم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى