التجاهل العاطفي الأسري: جرح صامت في نفسية الطالب ينعكس على تحصيله


بقلم: دعاء حسن ضمد
باحثة نفسية ومرشدة تربوية
مقدمة
في خضم انشغالات الحياة اليومية، يغفل بعض الآباء والأمهات عن أبسط احتياجات أطفالهم العاطفية، فينشأ الطالب وفي داخله جرح صامت لا يراه الآخرون. هذا التجاهل العاطفي قد لا يظهر كعنف جسدي أو لفظي، لكنه أعمق أثرًا على نفسية الطفل وأدائه الدراسي وسلوكه الاجتماعي.
مفهوم التجاهل العاطفي الأسري
يُعرّف التجاهل العاطفي بأنه عدم إظهار الاهتمام الكافي بمشاعر الطفل واحتياجاته النفسية، كأن يُترك دون احتواء أو يُعامَل بلا اكتراث لمشاعره وخوفه وألمه وفرحه. وهو نوع من الحرمان غير المرئي يسبب للطالب:
– انعدام الثقة بالنفس
– الشعور بالدونية
– ضعف التحصيل الدراسي
– صعوبة بناء العلاقات
– الانسحاب والانطواء أو السلوك العدواني الصامت
رؤية قرآنية
حثّ القرآن الكريم على العدل والرحمة والاهتمام بالأبناء، قال تعالى:
﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]
وقال الإمام علي عليه السلام:
“ثمرة القلب الرحمة.”
وفي قول آخر له عليه السلام:
“أولادكم ثمرة حياتكم، فأحسنوا إليهم يغفر الله لكم.”
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
“ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا.”
كيف ينعكس التجاهل العاطفي على التحصيل الدراسي؟
1. تدني الدافعية للتعلم: الطفل الذي لا يشعر بالتقدير ينطفئ شغفه بالتعلم.
2. ضعف الانتباه والتركيز: كثرة التفكير بالمشاعر المؤلمة تشتت ذهنه في الفصل.
3. انخفاض الثقة بالنفس: يصبح مترددًا في الإجابة أو المشاركة خوفًا من النقد.
4. زيادة السلوكيات الانسحابية أو العدوانية: يعبر عن غضبه وكبته بسلوك صامت أو عنيف.
5. تراجع التحصيل الدراسي: نتيجة التوتر الداخلي المستمر والشعور بعدم الأمان العاطفي.
العلاج والتوصيات الإرشادية
أولًا – على الأسرة:
– إظهار الحب والاهتمام بشكل يومي، بالكلمات واللمسات الحنونة.
– تخصيص وقت بسيط للإنصات للطفل مهما كان اليوم مزدحمًا.
– الاعتراف بمشاعره مهما بدت تافهة للبالغين.
ثانيًا – على المدرسة والمرشد التربوي:
– ملاحظة سلوكيات التجاهل العاطفي لدى الطالب من خلال ضعف المشاركة أو الانطواء.
– عقد جلسات فردية داعمة لبناء ثقته بنفسه.
– التواصل مع الأسرة لتوعيتها دون لوم مباشر، بل بإظهار أثر الاحتواء على التحصيل.
– دمج الطالب بأنشطة تعزز التقدير الذاتي مثل العروض الصفية والإنجازات الصغيرة
ثالثًا – على الطالب نفسه (بمساعدة المرشد):
– تدريبه على التعبير عن مشاعره بحرية دون خوف.
– منحه مهام قيادية صغيرة لتقوية ثقته بذاته.
– تشجيعه على تلاوة القرآن والأدعية اليومية لتعزيز السلام النفسي.
خاتمة
إن التجاهل العاطفي الأسري جرح صامت، لا دماء فيه لكنه ينزف ألمًا في قلب الطالب وعقله، فيضعف تحصيله ويهز كيانه. واجبنا كأسرة ومدرسة ومرشدين تربويين أن نعيد له الشعور بالقيمة، لنبني جيلًا واثقًا متوازنًا وقادرًا على تحقيق ذاته علميًا ونفسيًا وروحيًا.




