بين المطرقة و السندان


د. بشار عيسى ..
لا يختلف الناس بكل أطيافهم و شرائحهم على أن روحية العلاقة بين كل من المرأة و الرجل هي قضية شائكة جداً و تحتاج إلى شرح و توضيح يتعدى المعاجم و يستحق الاستفاضة بلسان فصيح و بليغ ، و لا بد من تسليط الضوء على شتى جوانبها و دقائق تفاصيلها لكي يعرف كل طرف منهما واجبه و حقه فلا شيء في رحاب هذه الدنيا أفظع و أصعب من التسلط و الاستبداد و فرض الرأي و رفض الرأي الآخر بلا منطق أو نقاش أو تفكير ، فقد تعود الرجل عموماً عبر حقبات تاريخية عديدة و محطات حياتية طويلة على فكرة تحويل المرأة إلى شيء هامشي داخل البيت و حتى معاملتها باستمرار على أنها إنسانة و مواطنة من الدرجة الثانية أو ربما الثالثة و يقتصر محور دورها على مجرد الاستجابة لطلبات الرجل و كذلك إنجاب الأبناء و تربيتهم و فوق هذا و كله عليها أن تكون الجندي المجهول و المخلوق الأمين الذي يُطيع الأوامر و يُنفذ التعليمات و لا يرفض أبداً و لا يناقش البتة ما يُملى عليه .
تعودت المرأة عموماً في كثير من الأحيان على الانصياع و الاستسلام و الخضوع لواقع حياتها المفروض عليها ترسيخاً لعبارة ( سي السيد ) و كان همها الأول و هاجسها الوحيد إرضاء الرجل و السعي لتحقيق ذلك بكل ما أُوتيت به من طاقة و قدرة و إمكانيات ، و على الطرف المقابل و الضفة الأخرى فليس من حقها الضجر أو التعب أو المرض أو التململ أو الراحة أو المُعارضة بل أن تقر و تعترف بأنها فعلاً مخلوقة جاءت للأرض من بعده هو و لا تتعدى أو تتجاوز أن تكون ضلعاً منه لا أكثر من ذلك ، و قد قنعت المرأة بهذا الدور المنوط بها عقوداً و دهوراً طويلة و لكن صفحات كتب الإنسانية لم تعدم ظهور نساء استطعن بشكل أو بآخر فرض أنفسهن بجدارة على الرجال فكانت بلقيس في اليمن و سميراميس في العراق و أيضاً حتشبسوت في مصر نساء تُوجن ملكات و لم يكتفين بأن يبقين مجرد دمى داخل جُدران الغرف و أسوار البيوت بل انطلقن إلى عالم أرحب و حكمن و تميزن ، و مما لا شك فيه أن وصولهن إلى عتبة مرتبات الملكات و الجلوس على العروش جعل سلطتهن و نفوذهن داخل البيوت لا تقل عن مثيلاتها خارجها ، و لا شك في أن امرأة هنا أو هناك نجحت في أن يكون دورها أكبر ثمرة لشخصيتها و قدرتها و إرادتها و ربما نتيجة لكون الرجل بلا إمكانات و مسلوب الإرادة أو مُعتمداً عليها كل الاعتماد .. على أنه لا يُظن بأن ذلك قد حدث نتيجة قناعة من قبل الطرفين بأنها ما دامت تقوم بواجبها و تُؤدي وظيفتها على أكمل وجه فلا بد لها حينها من حق الاستمتاع بحقوقها كاملة غير منقوصة .