لا تغفل عن جنون السلطة


♦️ *لا تغفل عن جنون السلطة* ♦️
■ *الشيخ محمد الربيعي*
الحب القاتل المعمي هو جنون السلطة، ذلك الجنون الذي يقود للتشبث بها بأي ثمن حتى ولو أدى ذلك لتدمير الأوطان بالكامل، وهذه وللأسف سمة أخرى من سمات التاريخ العربي الحديث. فكثير من الحكام العرب وصلوا للسلطة من باب حب الوطن، وبوعود وردية قد تكون وعوداً صادقة في بداية الأمر، وعود بالبناء، والعدل، والحرية.. ولكنهم بمجرد التربع على كرسي السلطة يقعون في حبها، وبدلاً من أن يسيطروا عليها تسيطر عليهم؛ إذ إنهم بمجرد أن يستووا على كرسي السلطة يحيط بهم المنافقون وعشاق المال والنفوذ؛ ليجملوا هذه السلطة للحاكم، ويخلقوا له صوراً لذاته معظمها تتجاوز بكثير واقعه الحقيقي، فلا يلبث الزعيم أن يصدقها، ويبدأ بإضفاء الألقاب على نفسه؛ فينتج من هذا التزاوج بين السلطة المطلقة وعظمة الذات خليط مدمِّر، تصبح معه السلطة هي الوطن، وإرضاء الإحساس بالعظمة سياسة معلنة، هكذا كان الطواغيت من الحكام .
وبعيدا عما قاله المفكر العربي أبن خلدون (بأن آفة العرب الرئاسة)، فالرئاسة والسلطة والمنصب لها نكهة حلوة وجميلة مهما كبر المنصب أو صغر حتى قيل (أعطني أمارة حتى على كومة من حجارة!)، وأي منصب فيه من المغريات والمغانم الشيء الكثير وفيه من الوجاهة الشيء الكبير وفيه وفيه وكل شيء فيه!. ويكذب من يقول بأنه لا يحب السلطة والرئاسة والمنصب والقيادة وأولهم كاتب السطور!. فالأنسان أيا كان عربيا كان أم أجنبيا مجبول بالفطرة على حب السلطة والقيادة والرئاسة وأن يكون هو الآمر الناهي في كل شيء من حيث يعلم ويدري بذلك أم لا!. ولكن يكمن الفرق بين من يحب السلطة والرئاسة والمنصب من أجل تقديم الخير للناس وللصالح العام بعيدا عن أي طمع مادي او ثراء او أي أمتياز، وبين من يريد ويرغب ويتمنى الحصول على المنصب من أجل التربح والثراء والفساد والحصول على الأمتيازات!.وكذلك الفرق كبير بين من يحب السلطة والمنصب في الغرب وبيننا نحن العرب؟، حتى صارت أحد أمراضنا، وواحدة من أخطر آفاتنا كما في وصف أبن خلدون لنا الآنف الذكر. فهناك الكثيرين عندنا الآن يحبوا ويتمنوا أن يكونوا وزراء أو مدراء عامين أو في أي منصب فيه مسؤولية من أجل أن يقدموا كلما يقدرون ويستطيعون عليه من خير للبلاد والعباد وذلك من خلال وضع كل خبراتهم وتجاربهم لخدمة وطنهم وتقدمه بكل أخلاص ونزاهة ومهنية وتفاني ووطنية بعيدا عن أية أطماع مادية والحصول على أمتيازات.
محل الشاهد :
الانسان حين يحصل على السلطة، يمكن أن يتغير عمّا كان عليه، فيُصبح عنيفاً، متعالياً أو متكبراً، متضخم الذات، لا تعنيه حقوق الناس بشيء، وقد يفقد أخلاقه وإنسانيته. وهذا الصنف من الناس يغلب عليه حب الدنيا والتمسك بملذاتها، فما أن يصل إلى السلطة ويصبح له كنز من الأموال بأية طريقة كانت، حتى يتنكّر لمبادئه وإنسانيته، ولا يعترف بحقوق أقرب الناس إليه.
من الغريب حقاً أن نلحظ فرقاً شاسعاً لدى هؤلاء البشر قبل تسلّمهم السلطة وبعدها، إنهم يتغيرون كأنهم أناس من نوع آخر تماماً، فيتنمّرون على الجميع، القريب منهم والغريب، الصديق منهم والعدو، لأن معادلة الصداقة لديهم يحكمها مبدأ المنفعة والتأييد، إذا كنت تؤيّدني وتنفعني فأنت صديقي حتى لو كنت تكرهني في أعماقك، ومعظم طغاة السلطة مكروه في الخفاء محبوب في العلن.
هذا النوع من عشاق السلطة والمال وملذات الدنيا المختلفة، غالباً ما ينتهي بهم المآل إلى ما لا تحمَد عقباه، فيفقدون مكانتهم بين الناس، وحتى من يُظهر لهم المحبة والتأييد فهو مجبر على ذلك، أو يتبادل معهم المصلحة بالمصلحة، فيدعم صاحب السلطة ليس لأنه عادل أو كريم أو منصف، وإنما لأنه يغدق عليه أموالاً ومنافع أخرى، وبمجرد غياب هذه المصلحة تنتهي المحبة ويزول التأييد.
لكن هذا لا يعني عدم وجود النموذج المناقض لهم، نعم هناك من يفوز بالسلطة وبكل امتيازاتها ومغرياتها، لكنها لا تهزّ شعرة من رأسه، ولا تغيّره قيد أنملة، بل يزداد ثباتاً على مبادئه وأخلاقياته وقيمه التي يؤمن بها. فهذا النوع من الأشخاص لا تغريه السلطة، ولا تسحبه الأموال إلى خديعتها، إنهم أصحاب نفوس عظيمة، وقلوب صادقة وأخلاق ثابتة ومبادئ لا يهزّها المنصب أو المال أو الكلام المعسول.
المسؤولون الحكوميون غالباً ما يتعرضون لهذا النوع من الاختبار، وينقسمون إلى قسمين، الأول هو من يُغرَم بالسلطة والمال مدفوعاً بتمسكه بالدنيا، والثاني هو النوع الذي لا تغرّه السلطة ولا منافعها ولا أموال الدنيا وملذاتها كلّها، فأخلاقه قبل السلطة وبعدها تبقى نفسها، وأفعاله كذلك، ومحبته وعلاقاته بالناس لا تتغير لأنه صار صاحب أموال أو سلطة.
فمن تفسده السلطة، وتسقطه الأموال، سوف يسقط في الدارين ولا أمل له بالنجاة من يوم الحساب، أما من يتفوق على نفسه وعلى دنياه وعلى السلطة والمال، فهو الذي سيفوز بحسن المآل.
في النهاية، تبقى السلطة موضوع حب، ومن أحبها لأجل تحقيق أهدافه فقط، فهو أناني وقلبه فارغ، أما من أحبها لأجل تحقيق خير الآخرين والخير العام، فهو ملك القلوب، وله تنحني الرؤوس، وبه يصبح الإنسان إنساناً، له كرامته وعزته.
فهل في قلبك حب للسلطة لانك تريد تنفع الاخرين من خلالها ؟ ام لانك تريد ان تسيطر من خلالها على الاخرين ؟
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق و شعبه