آخر الأخبار
ألمقالات

“ترامب والكمارك حينما تصبح الحماية شعاراً للعولمة المعكوسة

“ترامب والكمارك حينما تصبح الحماية شعاراً للعولمة المعكوسة”
رسول حسين
عندما انقلبت القواعد الاقتصادية رأساً على عقب!
في عام 2018، صدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم بإعلانه فرض رسوم كمركية جديدة على واردات الألمنيوم والفولاذ، لم تقتصر على دول بعينها، بل شملت حلفاء الولايات المتحدة أنفسهم، من بينهم الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك. هذا القرار لم يكن مجرد إجراء اقتصادي، بل تحول إلى حجر الأساس في فلسفة “أمريكا أولاً” التي سعى ترامب إلى ترسيخها، كجزء من توجه قومي انعزالي قلب مفاهيم العولمة رأساً على عقب.

الغاية من قرار ترامب مواجهة العجز أم فرض الهيمنة؟
ادّعى ترامب أن تلك الرسوم الكمركية تهدف إلى حماية الصناعة الأمريكية المتآكلة، ولاسيما في ولايات الصدأ (Rust Belt)، حيث تعتمد قطاعات واسعة من الاقتصاد المحلي على صناعة المعادن الثقيلة. وقد برّر قراره بأن الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري مزمن مع معظم شركائها التجاريين، وعلى رأسهم الصين، وأكد أن فرض الرسوم سيعيد التوازن المفقود، ويخلق وظائف جديدة للأمريكيين.
لكن الحقيقة كانت أعقد من مجرد حماية اقتصادية. فبحسب تقارير مكتب الموازنة الأمريكي (CBO)، فإن نسبة العجز التجاري الأمريكي كانت تُعزى إلى عدة عوامل هيكلية في الاقتصاد، كارتفاع معدلات الاستهلاك مقابل الادخار، وسياسات نقدية توسعية تزيد الطلب على السلع الأجنبية. وبالتالي، لم يكن العجز نتيجة مباشرة للسياسات التجارية للدول الأخرى، بل انعكاساً لطبيعة الاقتصاد الأمريكي ذاته.

سياسات ترامب عودة للحماية أم تطويع للعولمة؟
ما فعله ترامب كان بمثابة إعلان عودة الحماية التجارية، وهي سياسة كانت قد اندثرت تدريجياً منذ سبعينيات القرن الماضي مع تنامي حركة التجارة الحرة. هذا التراجع المفاجئ كان أشبه بانقلاب ناعم على النظام الاقتصادي الليبرالي الذي أسسته الولايات المتحدة نفسها بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أسهمت في إنشاء مؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي.
غير أن الرسوم الكمركية لم تكن مجرد إجراء اقتصادي، بل حملت في طياتها رسالة سياسية قوية: الولايات المتحدة لم تعد راغبة في الاستمرار بدفع تكلفة النظام العالمي وحدها، ولن تسمح بعد اليوم بأن تكون سوقاً مفتوحة لمنتجات تدعمها حكومات أجنبية عبر سياسات دعم غير عادلة ـ بحسب تعبير ترامب نفسه.

ردود الفعل الدولية من الصدمة إلى المواجهة!
لم يمر هذا القرار من دون تبعات دولية. فقد سارعت الصين إلى الرد بفرض رسوم انتقامية على الواردات الأمريكية، ما أدى إلى نشوب ما سُمي بـ”الحرب التجارية الكبرى”، ودفعت أوروبا بدورها إلى التهديد بإجراءات مماثلة. بل إن دولاً مثل كندا والمكسيك ـ حليفتي واشنطن في اتفاقية “نافتا” ـ عبرت عن استيائها العميق، واعتبرت القرار صفعة لروح التعاون المشترك.

بداية التحول أم قفزة في المجهول؟
لقد شكّل قرار ترامب لحظة فاصلة في تاريخ التجارة العالمية، إذ أعاد سؤال السيادة الاقتصادية إلى الواجهة، لكنه فتح في المقابل أبواب التوترات السياسية والركود المحتمل. هل كانت غاية ترامب تصحيح المسار، أم فرض الهيمنة الاقتصادية بالقوة؟ هذا ما سنتناوله في المقال الثاني من هذه السلسلة، حين نتحدث عن الحرب التجارية بين أمريكا والصين، وآثارها العميقة على الاقتصاد العالمي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى