توحيد الموقف الوطني


كتب رياض الفرطوسي
في أروقة الإعلام وأزقة السياسة، تتردد أصوات تحاول عزف لحن الفوضى، داعية إلى تغيير النظام السياسي في العراق، متسلحة بأوهام ووعود زائفة، ظنّاً منها أن التغيير يُصنع في أروقة الخارج لا في إرادة الشعب. هؤلاء، الذين يتحدثون عن مستقبل العراق وكأنهم أوصياء عليه، لا يملكون إلا الشعارات والضجيج، بينما يبقى الوطن أكبر من مكائدهم وأقوى من دعاياتهم.
لقد أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني أن “هناك من حاول ربطَ التغيير في سوريا بالحديث عن تغيير النظام السياسي في العراق، وهو أمر لا مجال لمناقشته”، مشدداً على أن “ليس من حق أحد أن يفرض علينا التغيير والإصلاح في أي ملف، سواء كان اقتصادياً أم أمنياً”. هذه الكلمات لا تعبر عن موقف سياسي فحسب، بل تعكس حقيقة أن العراق ليس ميداناً لتجارب الآخرين، ولا ورقة على طاولة المساومات الدولية.
لعبة التغيير وأوهام المتآمرين
تكشف بعض القوى عن أنيابها، مستغلة المنابر الإعلامية لترويج خطاب زائف يدّعي أن العراق بحاجة إلى تغيير يُملى عليه من الخارج، متناسين أن هذه المشاريع ما هي إلا امتداد لتحركات دولية تهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة وفق مصالح القوى الكبرى. هؤلاء لا يتحدثون عن الإصلاح بقدر ما يسعون إلى تفكيك العراق وإضعافه، عبر استغلال الدعايات والإشاعات لإثارة الفتنة وتأجيج الرأي العام.
لكن الحقيقة أبسط مما يصورونها: العراق ليس ساحة مفتوحة لطموحاتهم، والشعب العراقي أذكى من أن يقع في فخاخ أُعدّت له بعناية. ما يُحاك في الظلام لن يجد له مكاناً في النور، وما يُقال في الغرف المغلقة لن يصمد أمام وعي العراقيين الذين خبروا ألاعيب السياسة وأدركوا أن المستقبل يُصنع بسواعدهم، لا بمخططات الآخرين.
تحصين العراق من الفوضى
لا يمكن للعراق أن يكون رهينة لمؤامرات تُحاك في الخارج، ولا يمكن السماح لمن يروّجون للفوضى أن يجعلوا منه ساحة لتصفية الحسابات. لذا، يصبح من الضروري وضع استراتيجيات حاسمة للتصدي لهذه المحاولات:
تعزيز الوعي الوطني بكشف زيف الادعاءات التي تستهدف وحدة العراق، وإظهار الحقائق بعيداً عن التهويل الإعلامي.
تمتين سلطة القانون من خلال محاسبة كل من يروج لمعلومات مضللة عبر الإعلام حول تغيير النظام، أو يحرض بشكل غير مسؤول على زعزعة الاستقرار.
تقوية الجبهة الداخلية عبر ترسيخ الثقة بين الشعب والدولة، والعمل على تحسين الأداء الحكومي.
إدارة المواجهة الإعلامية بفضح الأجندات الخارجية وتقديم رؤية وطنية واضحة تحصّن المجتمع من الدعايات المغرضة.
توحيد الموقف العراقي في وجه التدخلات الخارجية، والتأكيد على أن الإصلاح ينبع من الداخل، لا من الإملاءات الخارجية.
الاتفاق الاستراتيجي وأهمية التحالفات الدولية
في سياق هذه التحديات، لا بد من الإشارة إلى وثيقة الاتفاق الاستراتيجي بين العراق وأمريكا، والتي تؤكد على الشراكة بين البلدين وتعكس التزام الولايات المتحدة بدعم استقرار العراق. هذا الاتفاق لا يمنح أي طرف الحق في التدخل بشؤون العراق الداخلية، لكنه يضع أسس التعاون في مجالات الأمن، والاقتصاد، والطاقة، والتعليم.
فضلاً عن ذلك، فإن السياسة الأمريكية الحالية تتجه إلى إبقاء العراق بعيداً عن المشاكل والصراعات الإقليمية، وهو موقف ينسجم مع المصلحة الوطنية العراقية. وقد أكد وزير الخارجية العراقي أن الولايات المتحدة تُعدُّ رسمياً بلداً صديقاً للعراق، إلى جانب دول أوروبية أخرى، ما يعزز مكانة العراق الدولية ويدعم مساعيه للحفاظ على استقلاله وسيادته.
إن التحديات التي تواجه العراق اليوم ليست مجرد أزمات سياسية، بل اختبارات لوعينا وقدرتنا على التماسك. مواجهة حملات التحريض والتآمر تبدأ من توحيد الموقف الوطني ورفض الانسياق وراء الدعوات التي لا تهدف إلا إلى زعزعة الاستقرار. العراق ليس ورقة تفاوض، ولا ساحة لصراعات الآخرين، ومستقبله لن يُرسم إلا بإرادة أبنائه، لا بأوهام تُحاك في كواليس السياسة.