آخر الأخبار
ألمقالات

لعبة المصالح في البيت الأبيض

كتب رياض الفرطوسي
لم يكن ما جرى في البيت الأبيض مجرد اجتماع دبلوماسي عابر، بل كان فصلاً جديداً في كتاب السياسة الدولية، حيث تصدعت الصورة التقليدية لصراع النفوذ، وبرزت تفاعلات لم تكن في الحسبان. لم يكن الأمر سجالًا سياسياً بين زعيمين، بل كان مواجهة بين منطق المصالح الآنية وتوازنات القوى الكبرى.

في قلب واشنطن، حيث تُرسم استراتيجيات العالم، جلس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جوار نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. لم يكن لقاءً بروتوكولياً تقليدياً، بل كان مشهداً مشحوناً بالرسائل الخفية والمساومات الصريحة. ما بدا في ظاهره تفاوضاً سياسياً سرعان ما انكشف عن صفقة غامضة، تُعطي فيها الولايات المتحدة مساعدات عسكرية مشروطة بثروات أوكرانيا المعدنية، في مقايضة غير مألوفة لا تليق بدولة تصف نفسها بأنها حامية الديمقراطية في العالم.

لقد بدت هذه الصفقة ضرباً من السياسة الواقعية المتحررة من الاعتبارات الأخلاقية، حيث لم يكن دعم أوكرانيا هدفاً استراتيجياً بقدر ما كان ورقة ضغط تُستخدم متى لزم الأمر. فمنذ ثلاث سنوات، تخوض أوكرانيا صراعاً ألقى بظلاله على الأمن الأوروبي والاقتصاد الروسي، مما جعلها نقطة اشتعال دائمة في معادلة الصراع بين الشرق والغرب. غير أن التحولات الأخيرة كشفت عن تناقض صارخ في السياسات الأمريكية، ما دفع المراقبين إلى التساؤل: هل فقدت القوة العظمى بوصلتها؟ أم أنها ترسم حدوداً جديدة لبراغماتية أكثر جرأة؟

لكن الحدث لم يتوقف عند حدود الصفقات، بل تجاوزه إلى مشهد أكثر حدة، حين شن الرئيس ترامب هجوماً غير مسبوق على خليفته جو بايدن، مستخدماً لغة أقرب إلى الخصومة الشخصية منها إلى السياسة. لقد بدا وكأن البيت الأبيض قد تحول إلى ساحة صراع مفتوح، حيث تساءل الكثيرون: ما الذي تعكسه هذه المشاهد للعالم؟ وأي نموذج تُصدّره الديمقراطيات الغربية لشعوبها وللأمم الطامحة إلى الحرية؟

إن ما حدث لن يُطوى سريعاً في سجلات التاريخ، بل سيظل مادة دسمة للتحليل والتأمل. فهذا الحدث الفريد أعاد تشكيل مفاهيم العلاقات الدولية، وكشف أن الضعفاء ليسوا مجرد بيادق على رقعة الشطرنج السياسي، بل قد يمتلكون أوراقاً تقلب الحسابات رأساً على عقب. لقد أثبتت هذه اللحظة أن صغار اللاعبين في المسرح الدولي قادرون على إحراج الكبار، حين يملكون الجرأة على استغلال الفرص وتحويل موازين القوة لصالحهم.

هذه الواقعة تحمل في طياتها درساً جوهرياً لقادة العالم: إن السياسة ليست حلبة استعراض ولا ميداناً للمناورات الشعبوية، بل مسؤولية جسيمة تُحدد مصائر الشعوب. وعندما تُدار الملفات المصيرية بمنطق الاستعراض الإعلامي والمزايدات الشخصية، فإن الأزمات لا تُحل، بل تتفاقم، لتُشعل صراعات جديدة أكثر تعقيداً وخطورة.

إن التاريخ لا يُخلّد الضجيج، بل يُسجل بحروف من نور أولئك الذين امتلكوا الحكمة لقيادة أممهم بعيداً عن ألغام الفوضى. وبينما تمضي الأحداث في البيت الأبيض إلى منعطفات غير متوقعة، يبقى السؤال الأهم: هل نحن أمام إعادة تشكيل لملامح النظام العالمي؟ أم أن ما نشهده ليس سوى فصل آخر من فصول السياسة في زمن الارتجال؟

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
أفتح الدردشة
اهلا بك في وكالة الراصد نيوز24
كيف يمكنني مساعدتك؟