هو اصطفاء وليس قتل


🔸️ *هو اصطفاء وليس قتل* 🔸️
🖋 *الشيخ محمد الربيعي*
اعظم الله اجركم بالشهيدين السيد ( حسن نصر الله ) و السيد ( هاشم صفي الدين ) رضوان الله تعالى عليهما ، بمناسبة دفن الاجساد الطاهرة .
ايها الاحبة :
اختصّ اللهُ عز وجل الشهيد بمكانة سامية سامقة لا تدانيها مكانة.. في الدنيا ويوم القيامة وفي جنات الخلود.. ومن عظيم كرم الله تعالى لهؤلاء الشهداء الذين باعوا أنفسهم من أجل الله، وتساموا على ما يحبون، وتغلبوا على شهواتهم، واسترخصوا الحياة في سبيل الظفر بالشهادة نيْلا لإرضاء لله؛ أنه تعالى اختار لهم خير الأسماء والألقاب.. وخير الذكر.. وخير الخلود… اختار لهم مكانة رفيعة تعد مضرب المثل في العلو والسمو والتسامي والمعالي، تلك المكانة التي لا يصل إليها إلا الأنبياء والمرسلون والشهداء، ومَن اختارهم الله تعالى من عباده الصالحين.
ان كل الشواهد تؤكد أنّ الشهادة في سبيل الله هي اصطفاء من الله – تعالى -، يختار الله لها من يشاء من عباده، وهذا مصداق قول الله -تعالى -: {وليعلم اللّه الّذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء} .
بل إن الجهاد وطلب الشهادة في سبيل الله تعالى هو الحياة الحقيقية في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا استجيبوا للّه وللرّسول إذا دعاكم لما يحييكم} [سورة الأنفال:٢٤].
محل الشاهد :
أما الشهيد فإنه يرى الدنيا حجاباً ومانعاً يحول بينه وبين مراده الفعليّ وغايته الحقيقية وهي لقاء الله ومجاورة أوليائه وأنبيائه.
الشهيد إنسان واع، صاحب مبادئ وقيم إنسانية سامية، هدفه خدمة الناس ورفع الظلم عن البشرية ونصرة المستضعفين، قد ربح الدنيا والآخرة .
ان الشهيد صامد وثابت أمام أعداء الله بحيث يصير مصداقاً حقيقياً لما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلام ابنه محمد بن الحنفية حين أعطاه الراية يوم الجمل قائلاً: “تزول الجبال ولا تَزُل، عَضَّ على ناجِذِكَ، أَعِر الله جمجمتك، تِدْ في الأرض قدمك، ارْمِ ببصرك أقصى القوم، وغُضّ بصرك واعلم أنّ النّصر من عند الله سبحانه”.
بهذه الصفات يوصي أمير المؤمنين عليه السلام أن يكون المجاهد أمام أعداء الله، والشهيد يوصل لنا هذا النداء من خلال عمله وسعيه. فهو الصامد، الثابت القدم في ميادين القتال، وهو على الدوام في طليعة المجاهدين وأوائل المضحّين، المطمئنين على الدوام في أصعب المواقف، الذين لا يتّخذون المواقف الانفعالية، وتراهم مستعدين دائماً لمواجهة العدو بكلّ ما أوتوا من قوّة دون أي استخفاف أو استهانة بقوّة العدوّ في الوقت عينه.
ان الشهادة هي دليل الصلابة، والشهداء غالباً من يكونون العناصر الفولاذية في جبهة الحرب، عليكم أن تظهروا هذه الروحية والإرادة ذاتها أنتم أيضاً”.
ايها الاحبة :
إذا استبدّ الطّغاة أو حكموا، وبيعت الضّمائر، ورخصت أثمان الرّجال، حينئذ، يتّسع بساط الذلّ والمهانة. وعندها، من أين يأتي الرجاء، ما دام الله لا ينزل نصره على المستضعفين الساكتين؟ يومها، لا يبدأ بكتابة مشروع الحياة الحرة والعزيزة إلا الشهداء، الذين يكونون أوّل ضوء يسطع، وأوّل سيف يشهر، وأول سطر في ملحمة التضحية والفتح.
{وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.
ان في بداية من العدوان الصّهيوني الَّذي حصل في الأيام الماضية؛ هذا العدوان الذي أظهر مجدداً طبيعة هذا الكيان، الذي لا تقف طموحاته عند حدود، بل تمتدّ إلى كلّ مكان يمكنه الوصول إليه، كما يقول قادته.
لقد ظنّ العدو للوهلة الأولى أنه استطاع من خلال عملية الاغتيال التي قام بها، أن يكسب جولة جديدة من جولات الصّراع مع المقاومة، ولكن كلَّ الوقائع السّابقة، أثبتت أنَّ هذه المقاومة لا تضعف بسقوط قادتها ومجاهديها، ولا تنكسر شوكتها، بل إنَّ عودها يقوى بشهدائها، وجمهورها يكثر بهم، وتصبح أكثر حضوراً وفاعلية.
ولعلَّ ما يزيد من خوف العدو وارتباكه، هو حكمة المقاومة، وتأنّيها، وصبرها، وعدم تسرّعها وخضوعها لردود الفعل .
محل الشاهد :
ان لكل من الشهداء كرامته عند الله (عزَّ وجلّ) ولكن هنالك بعض الشهداء قد ميزهم الله (عزَّ وجلّ) بميزة خاصة بأن جعلهم أفضل الشهداء بسبب تميزهم بأمرين أساسيين:
الأول: السبقة إلى الجهاد حيث كانوا السباقين إليه ولم تكن الأمور مهيأة لهم بل هم الذين هيّأوا الأمور لمن بعدهم.
الثاني: صبرهم وثباتهم وإصرارهم على الجهاد.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول فلا يلفتون حتى يقتلوا أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة”.
ايها الاحبة :
لا نقول ان السيدين أمواتاً بل احياء حيث يُعلِّمنا الله سبحانه وتعالى كيف نتأدّب أمام عظمة تلك الدماء، ففي الوقت الّذي نجد فيه أنّ الموت حقّ وأنّه أمر لا بدّ منه، وأنّه أمر طبيعيّ لكلّ الناس، وليس هو نقصاً، ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ﴾. رغم ذلك كلّه نجده سبحانه وتعالى يأمرنا بالتأدّب أمام عظمة الشهداء ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ﴾.
فرغم أنّ الموت ليس نقصاً وعيباً، لم يرِد الله سبحانه وتعالى أن
يُطلَق على الشهداء، تقديماً وتشريفاً لهم .
في الختام نقول :
هنيئاً لهؤلاء الشهداء ما نالوه من لذّة الأنس، ومجاورة الأنبياء العظام، والأولياء الكرام، وشهداء
اللهم احفظ الاسلام و المسلمين
اللهم احفظ العراق وشعبه