أفق العقل بين الضجيج والنور


كتب رياض الفرطوسي
حين يخفت ضوء العقل ويُستبدل بالجهل، يعلو الصخب ليملأ الفراغ، ويحلّ التهريج مكان الحكمة، ويجد المغامرون بالفكر السطحي أنفسهم في مواقع القيادة والتوجيه. لكن هذه ليست نهاية الحكاية، فالتاريخ لم يكن يوماً سكونياً، بل هو حركةٌ متواصلة تتجاوز لحظات التيه، وتعيد تشكيل الوعي وفق احتياجات الزمن . المشهد اليوم يضعنا أمام تحدٍ لا يمكن تجاوزه بالصراخ أو النحيب، بل عبر بناء جديد للوعي، يستند إلى المعرفة الرصينة والتحليل العميق. علينا أن نعيد الاعتبار للفكر بوصفه أداةً للإصلاح، لا وسيلةً للتهريج. وذلك لا يتحقق إلا من خلال تمكين العقول الشابة التي تتمتع بالحكمة والرصانة ، وتشجيع النقاشات النزيهة، وإرساء منابر حقيقية تسهم في صياغة رؤى متوازنة لا تنحاز إلا للحقائق . لا يمكن للضجيج أن يكون بديلًا عن التفكير، ولا يمكن للفراغ أن يبقى ممتداً بلا نهاية. التغيير ليس أمنية مستحيلة، بل هو مشروع يبدأ بإدراك الخلل، ويكتمل حين تتضافر الجهود لترميم ما تهالك. إذا كان الوهم قد أسس لحالة من الضياع، فإن الحقيقة قادرة على أن ترسم طريقاً للخلاص، بشرط أن نؤمن بأن الفكر العميق والنقاش الحرّ هما أساس أي تحول مستدام . وهكذا، بدل أن يكون مصيرنا التآكل في زحام الأصوات المتضاربة، يمكننا أن نصنع مساحةً جديدةً من الوعي، تنير الطريق أمام أجيال قادمة، فلا يتحلل العقل أمام موجة الفوضى، بل يستعيد مكانته، ويؤسس لحاضر أكثر وضوحاً ومستقبل أكثر إشراقاً .